آية مصيريّة تنفي وجود مهنة رجل الدين: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ==>ما جعل الله 1-أشخاصا يتوسّعون في الدّين و يضيفون فيه 2-و لم يهمل فيه شيئا 3-و لم يجعل صلة وصل بينه و بين الناس 4-ولم ينصّب أحدا لحماية الدّين و لكنّ المتكبّرين المنكرين يفترون الأكاذيب على الله وأكثرهم لايعقلون

جوار منشآت

الجوار المنشآت في البحر كالأعلام

قال تعالى

وَمِنْ آيَاتِهِ

الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ

كَالْأَعْلَامِ (32)

إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ

فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)

أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ (34)

وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ (35)

(سورة الشورى)

وقال تعالى

وَلَهُ الْجَوَارِ

الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ

كَالْأَعْلَامِ (24)

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25)

(سورة الرحمن)

أجمع المفسرون، كلهم، على أن المقصود من الجواري، في الآيتين

هي السفن، شاهدهم أنها، تبقى راكدة على ظهر البحر، إذا سكنت الريح…

والسؤال الذي يطرح نفسه

ماذا عن السفن، التي تمشي اليوم، بالمحركات

هل هي تحدٍّ لله وآياته؟

وهل كون السفن اليوم، لا تحتاج للريح، يجعل الآية، منتهية الصلاحية؟

 

متى كانت السفن، من إنشاء الله سبحانه؟!

هل الله تعالى، هو الذي يُنشِئُ السفن، أم الناس؟!

السفن هي من تسخيره تعالى، وليست من إنشائه

وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ

لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ﴿32)

(سورة ابراهيم﴾

فالله تعالى سخر لنا، جميع وسائل المواصلات، التي نعرف، برا وبحرا وجوا

ولكنه لم ينشئها لنا…

سخرها لنا، لأنه وضع قوانين، الكثافة، وديناميكا الهواء، والاحتكاك

التي لولاها، لما أبحرت سفينة، ولا طارت طائرة، ولا سارت سيارة…

ثم، هل السفن تُنشأُ في البحر؟!أم في البر؟!

ففي سورة الرحمن، أضافت الآية، إضافة قيمة

وهي أن هذه الجواري، يتم إنشاؤها في البحر

والسفن تُنشأ في ورشات على اليابسة، في البر…

الحقيقة، أن هذا الفهم البسيط، لآيات الله

الذي يعبر عن مدارك السلف البسيطة، في العلم والمعرفة

ثم القول، بأنه لا فهم إلا فهم السلف

هو الذي يجعل التنزيل الحكيم

يبدو متجاوزا، أو يخاطب، أهل القرن السابع، دون غيرهم…

وإذا دققنا، في الآية

نجدها تتحدث عن السحب التي تجري بفعل الريح

جَوارِ، وأصلها جَواري…

فالسحب، يتم إنشاؤها من طرف الله عز وجل

بدلالة قوله تعالى

 هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا

وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ…

(سورة الرعد)

بخلاف السفن التي يُنشؤها البشر.

أما عن إنشائها في البحر، فالعلم الحديث اليوم، يعرف ذلك تماماً

ثم تجعلها الرياح تجري فوق البحر، لتدفعها إلى اليابسة.

وعليه فإن السحب، هي جواري مُنشأة في البحر.

وطبعا، بدون رياح، فإن السحب، تبقى راكدة، على ظهر البحر…

أما السفن، فإنه حتى مع سكون الرياح

فإن التيارات البحرية، لا تدعها تقف في مكانها أبدًا فتدفعها

والبحارة قديما، حين كانت تسكن الريح

لم يكونوا يخافون، من مراوحة مكانهم

بل يخافون، من أن يجرفهم التيار

وتجنح بهم السفينة إلى وجهة لا يقصدونها، وهذا معروف تماما…

ولذلك فإن سكون الريح، لا يجعل السفن تقف في مكانها

وهذا دليل قاطع، على أن الآية، لا تقصد السفن

 إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ

فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ 

بل تقصد السحب، لأنها الوحيدة التي لا تتحرك، إلا بفعل الريح…

والناظر إلى السحب، حين تسكن الريح، يراها راكدة فوق البحر

وحين تتحرك، يراها تجري فوقه

وكأنها تركبه، أو تتخذه مطية للحركة

لأن الناظر يرى حركة البحر، ولا يرى حركة الريح…

وبالرغم أن قوله رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ

قد يجعل السامع يتبادر إلى ذهنه

أن هناك التصاقاً فيزيائيا بين الجواري والبحر

كالتصاق السفينة بالماء، أو الفارس بظهر فرسه

إلا أن قوله على ظهره، يعني أعلاه

وَظَهَرْتُ البيت: عَلَوْتُه. وأَظْهَرْتُ بفلان: أَعليت به. لسان العرب

إذاً، فالسحب، تنشأ في البحر، فتعلوه، ثم تدفعها الريح، فتجري إلى البر، وإذا لم تدفعها الريح، بقيت في مكانها،…

نأتي لتشبيهها بالأعلام…

والحقيقة، أن السحب، تشبه الأعلام في أشياء كثيرة، في كونها خفيفة، تحركها الرياح إذا هبت، وتسكن إذا سكنت، وكونها تُنصب دائماً إلى أعلى، وكونها، أي السحب، تتلون بجميع ألوان الطيف، تماما كالأعلام، فتكون بيضاء، أو برتقالية، أو حمراء، أو قرمزية، أو حتى سوداء، بحسب الشروق والغروب، وبحسب حالتها الكهربائية، وهل هي سحب عاصفية، أم لا،…فتشبيه السحب بالأعلام، هو تشبيه دقيق، يدل على خصائصها الفيزيائية المشتركة، من كثافة ولون وتموقع…

أي أن قوله، كَالْأَعْلَامِ، لا يقصد به كالجبال، كما ذهب إلى ذلك، جميع المفسرين، لأنهم فهموا الجوار على أنها السفن، فقالوا أن السفن في البحر، مشبهة في الآية، بالجبال، وهو تشبيه غريب، وتأويل لمعنى الأعلام أغرب، ولا قرينة عليه، لصرفها إلى غير معناها…

كَالْأَعْلَامِ، يقصد بها، أن السحب، تظهر كالأعلام التي تتحرك بفعل الريح، المنصوبة إلى أعلى، …

وحتى يكون ما نذهب اليه، مرتبطا بسياقه، لا يخرج عنه، نعود للآيات من قبل، وبالضبط ثلاث آيات إلى الوراء، إلى الآية 28 من نفس السورة، لنقرأ قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)

فالواضح من السياق، أنه بدأ بالحديث عن الغيث، الذي هو رحمة من الله، ثم أشار إلى كيفية حدوثه، بعد ذلك، بفضل إنشاء الجوار في البحر…بل وأشار، إلى أنه قد يجعل هذه الرحمة، وهذه الجوار مهلكة: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ…

يوبقهن، (وَبَقَ) الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالْقَافُ كَلِمَتَانِ. يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ حَالَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مَوْبِقٌ.

وَالْكَلِمَةُ الْأُخْرَى: وَبَقَ: هَلَكَ. وَأَوْبَقَهُ اللَّهُ. وَيُقَالُ: الْمَوْبِقُ: الْمَوْعِدُ. مقاييس اللغة

وبق، تعني هلك، وأوبق الشيء، جعله مهلكا ومهلكة…

يوبقهن، الفعل عائد، على الجوار، أي أن الله تعالى يجعل منها، موبقا، للذين يجحدون بآيات الله، ويجادلون فيها، أي يجعلها مهلكة لهم، أو موعد هلاك لهم، بما كسبوا، والكسب الذي كسبوه، توضحه الآية التي بعدها: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ…بما كسبوا، أي بما جادلوا في الآيات، وجحدوا بها…فيعلمون بعد ذلك أن آيات الله، غالبة، كما حدث مع أقوام كثر، من نوح، إلى موسى…

كمال الغازي