مقال للباحث معروف دويكات
1- تخيّلوا هذا الموقف
سيّدة سوريّة تزوّجت قبل عشرين عاماً
بما يُسمّى "مؤخّر صداق" قدره مليون ليرة سوريّة
وهو وقتذاك مبلغ كبير نسبيّاً كان يساوي عشرين ألف دولار (20000).
اليوم، وقع طلاق السّيّدة لسبب ما
ولكن مع انهيار العملة في سوريا في السّنوات الأخيرة
أصبح المليون ليرة سوريّة يساوي أقلّ من أربعمائة دولار (400).
في النتيجة
هذه الزّوجة تعبت وكدحت وولدت وأرضعت وربّت وخدمت طوال عشرين عاماً
ليرمي لها طليقها دراهم معدودة لا تسدّ رمق شهرين.
فهل تستحقّ هذه "المكافأة" المهينة؟؟
أليس هذا من أكبر الأدلّة
على خطأ فقة التّراث الذي يزعمون زوراً أنّه شرع الله؟
فأيّ ربّ عادلٍ يقبل هذا الظّلم؟
حاشا ربّ العالمين.
2- ذكر القرآن الأجر و لم يذكر المهر
من إحدى القواعد الأساسيّة لفهم القرءان الكريم
هي أنّه لا يوجد فيه تَرَادُف
أيْ أنّ كلّ كلمة فيه قائمةٌ بذاتها بدلالتها الخاصّة ومعناها الفريد
ولا يمكن استبدال كلمة بكلمة بدون تغيير الدّلالة أو المعنى
فالعام غير السّنة
والغيث غير المطر
والرّجوع غير العودة.
وفي هذا السياق وَرَدَ في كتاب الله الحكيم
لفظ "الأجر"
في سياق الزّواج في قوله تعالى
"فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰ"
وقوله تعالى
"وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ".
كما أمر الله بإيتاء النّساء صَدُقاتِهن (جمع صَدُقَة)
في قوله تعالى
"وَآتُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحۡلَةً."
قال المفسّرون والفقهاء
أنّ الصَّدُقة هي الصُّداق أو المهر
وهذا صحيح
ولكنهم استبدلوا كلمة "الأجور" بكلمة "المهور"
من غير وجه حقّ
مع أنّ كلمة الأجر وردت في القرآن الكريم
بالمفرد والجمع عشرات المرّات
بمعنى "المكافأة مقابل "العمل" في جميعها
ومن دون أنْ يعني ذلك "المهر" في أيّ منها
وهي كلمة لم تَرِد في كتاب الله.
هذا ملخّص الأمر على ضوء هذه الآيات
1-
ليس الأجر هو المهر
فإذا علمنا أنّ الصّداق أو الصَّدُقة الواردة في القرآن
هي المهر فما هو الأجر؟
وكيف يكون الصّداق مرادفاً للأجر؟
2-
إذا جاز أنّ كلمة "مهر" تحلّ محلّ "أجر"
فلماذا لا نفسر مثلاً الآية الكريمة
"وَمَاۤ أَسۡألُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَالَمِینَ"
فنقول
"وما أسألكم عليه من مهر إنْ مهري إلا على رب العالمين؟
ومثل ذلك عشرات الأمثلة من القرآن.
3-
ما يدفعه النّاس اليوم عند عقد الزّواج
هو الصَّدُقة (أو "مقدّم الصّداق")
وهذا مطابق لأمر الله.
4-
لا يطبّق النّاس اليوم أمر الله بدفع فريضة الأجر للنّساء
كما أمر تعالى بقوله
"فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰ".
5-
الأجر في سياق الزّواج
هو مبلغ كبير يفوق كثيراً مبلغ المهر المعمول به اليوم
وذلك بشهادة القرآن الكريم
كما وَرَدَ في قصّة زواج سيّدنا موسى
حيث قال تعالى
"قَالَ إِنِّي أُرِیدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَاتَیۡنِ
عَلَى أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجࣲ
فَإِنۡ أَتۡمَمۡتَ عَشۡرࣰا فَمِنۡ عِندِكَ
وَمَاۤ أُرِیدُ أَنۡ أَشُقَّ عَلَیۡكَ".
فالأجر المدفوع مقابل الزّواج كما ترون
يقابل قيمة كبيرة
فهو في الآية الكريمة عملُ ثماني سنوات على الأقلّ
ومن حكمة الله تعالى أنّه جعله محسوباً بالسّنين
حتى يصلح لكلّ زمان ومكان
لا بالدراهم والدنانير التي تتبدّل قيمتها.
6-
بعد دفع "مقدّم الصّداق"
يبقى للنّساء المتزوّجات العاملات في بيوتهنّ الأجر
كما فرضه الله لهنّ بقوله تعالى
"فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰ"
وهو مبلغ دوريّ (شهريّ مثلاً)
يعطيه الرّجل لزوجته حسب قدرته.
7-
لا أجر للنّساء على العلاقة بين الأزواج
كما يريد بعض المُغرضين
فهي علاقة مشتركة متكافئة.
8-
لا أصل في كتاب الله لما يسمى "مؤخّر الصّداق"
وهو في نظري ظلم آخر للزّوجة
خاصّة إذا وقع الطّلاق بعد سنوات طويلة من الزّواج
حيث تفقد العملات قيمتها.
9-
إعطاء أجرٍ معلومْ للزّوجة بشكل دوريّ تقضي به حاجاتها الخاصّة
يجنبّها ويجنّب زوجها الحَرج
عند طلب المال من زوجها بشكل متواصل.
10-
وأخيراً فكّروا معي
حين تستغني شركة ما عن خدمات موظّف
فإنها تدفع له "مكافأة نهاية الخدمة"
مع أنّه تقاضى أجره كاملاً طوال سنوات عمله
وقد تصل تلك المكافأة بعد سنين من العمل إلى أرقام مذهلة
تصل إلى عشرات بل مئات الألوف
فكيف يكون مبلغ "مكافأة نهاية الخدمة" للزّوجة مبلغاً صغيراً في الغالب
بل تتناقص قيمته كلّ سنة
وذلك بعد سنوات طويلة من عمل في البيت وحَمل وولادة وإرضاع وتدهور للصّحّة؟