جسد الأنبياء كباقي الأجساد
مقال للباحث سامح عسكر
حديث غير منطقي كالعادة لسببين
الأول
أن الشيوخ لا يستطيعون إثبات ذلك
ولو فتحوا كل قبور الأنبياء لن يجدوا شيئا ولا حتى عظاما لهذه العصور..
الثاني
جثث الفراعنة المصريين محنطة لم تأكلها الأرض ومع ذلك هم لديهم كفار.
المنطق يقول أنه ما دامت الأرض لا تأكل الجسد فهو علامة على صلاحه في الدنيا كما يزعمون
فكيف يؤمنون بصلاح من لم يروه..
وكُفر من رأوه؟؟!
أما بالنسبة لحديث إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء
فهو من أشهر الأحاديث المنشورة بين العامة
ويهتم الشيوخ دائما بتصحيحه لزوم إثبات الكرامة وما إلى ذلك
وأضافوا له أيضا عدم تحلل أجسام الشهداء والصالحين باعتبار أن الله قد جمع هؤلاء بالرسل في الجنة
واعتمدوا على روايات أخرى بنفس الدرجة
هنا سنناقش هذا الحديث في عدة مواضع..
أولا
الحديث ضعيف السند
فيه عبد الرحمن بن جابر ضعفه ابن سعد ، بينما وثقه مسلم والبخاري في الأدب المفرد، ورد آخرون بل هو عبدالرحمن بن عتيك (المجهول)، والطريق الآخر عند ابن ماجة فيه.."زيد بن أيمن"..ضعيف مرسل عند البخاري، وعليه فالحديث معلق ومختلف عليه..أي حكمه ضعيف مردود
ثانيا
تحلل الأجسام سنة إلهية لديمومة الحياة على الأرض
فلو لم تتحلل أجسام السابقين ما كنا ورثناهم أو استطعنا العيش مكانهم
ومبدأ اعتبار بقاء الجسم ككرامة من الله لا يستقيم شرعا
فالله يريد لنا العيش وأن نرث السابقين لا أن يخلد السابقون فتهلك الحياة على الأرض..
ثالثا
تحلل الأجسام لا يعني امتهان الجسد أو كراهية صاحبه أو ازدراء دينه وسيرته
والكاذب الذي وضع الحديث كان يعتقد أن بقاء الجسد يحفظ كرامة وشرف صاحبه
لأن الروائح الكريهة والمنظر القبيح مؤذية..
فلا يليق أن يؤذي نبيا بشرا حتى بعد موته..
والرد على ذلك أن الأنبياء بشر..
" قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا"..
[الإسراء : 93]
فإذا كان النبي بشرا لماذا لا يخضع لقانون الأجسام؟..
هنا سنعتبره ملاكا أو كائنا مختلفا..
رابعا
فكرة عدم تحلل الأجسام واعتبارها كرامة موجودة في بعض الديانات الأخرى
وهذا استعراض لجثث الكهنة والقديسين المسيحيين الشوام محفوظة كما هي بعد موتها منذ مئات السنين....
خامسا
لو تم اعتبار عدم تحلل جسد النبيين كرامة..
فلماذا لا نعتبر عدم تحلل أجسام القديسين المسيحيين أيضا كرامة؟..
مع العلم أن الفيديو السابق فيه جثة للقديسة .."إيميلدا لامبرتيني"..المتوفية منذ 700 عام..
سادسا
لو قالوا أن المسيحيين حنطوا جثث موتاهم بمواد كيميائية
بينما الله حفظ جثث الأنبياء بدون تحنيط قلنا
أين الدليل أن جثث الأنبياء لم تتحلل؟..
افتحوا قبر واحد منهم لنتأكد..
فلا يصح أن الاستشهاد بالمجهول..
هذا خرق لقواعد الاستدلال..
سابعا
المسلمون من أكثر شعوب الأرض هوسا بالإعجاز العلمي..
ورغم ذلك يردد شيوخهم أن جثث الأنبياء لم تتحلل ككرامة إلهية
بينما لم يكشفوا جثة واحد منهم للإعلام ليعرف من يعرف عن بينة..
وهل نظن أن لو امتلكوا معجزة كهذه سيتركوها؟؟!
ثامنا
في صحيح البخاري روى حديث آخر يطعن في هذا الحديث بقوله..
" كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب"..
وأداة الجمع كل تبطل الاستدلال ببقاء الأجسام
فلو قيل أن الحديث الآخر (استثناء)
قلنا -حسب قواعدكم الحديثية- فكلام البخاري مصدق عن من سواه من المحدثين
كذلك فالقول بالاستثناء يلزمه القرينة
والاحتجاج بالقرائن في الفقه يكون بدليل أقوى وليس بأضعف..
يعني يلزمك الاحتجاج بحديث صحيح السند أو بآية قرآنية للتخصيص.
تاسعا
الحديث ذكر في معرض فضل الدعاء والصلاة على النبي يوم الجمعة بهذا النص..
" إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي»
فقال رجل: يا رسول الله، كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، يعني بليت
فقال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"..انتهى
فالظاهر أن الراوي قال بعدم التحلل كشاهد وليس كأصل
لأن فكرة الحديث عن فضل التعبد والذكر
أما القول ببقاء الأجسام هنا ليس أصل بل فرع أو أداة إثبات..
عاشرا وأخيرا
نص الحديث فيه خطأين، واحد علمي والثاني شرعي
فالعلمي : أن بقاء الجسد لا يعني بقاء الحواس
فالميت يظل عدة أيام كما هو حتى تبدأ الإنزيمات والبكتريا والفطريات في ممارسة عملها بالتحلل
لكن طيلة هذه الأيام هو فاقد للحواس
ثم ماذا نقول في بقاء جسد لينين الشيوعي 100 عام بعد وفاته..
أما الخطأ الشرعي: أن النبي مكلف كغيره من البشر
فإذا انتهى تكليفه لا يعلم ما سيحدث بعد موته
ويصدق ذلك قول المسيح..
" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم"..
[المائدة : 117] ويعني ذلك أن الرسل لهم مهمة وهي التبليغ والإنذار، فإذا انتهت المهمة كان الله هو الرقيب المطلع ولا دور هنا لأي بشر..
الخلاصة
أن الحديث مكذوب جملة وتفصيلا، ومناقشة سنده وإظهار ضعفه للرد بسياق الحجج الشرعية التي يؤمن بها الشيوخ ليس أكثر
أما المتن مردود..ونصوصه مليئة بالأخطاء العلمية والشرعية والمنطقية
وقائله كان مهتم بتشجيع الناس على الذكر أكثر من إثبات عدم التحلل
وأن القائل أيضا كان يقدس النبي بتعظيم مبالغ فيه يرقى لمرتبة التأليه..
ما سبق هو مناقشة ذلك المعتقد بالدليلين الشرعي والعقلي
وظهر عدم صحة الحديث القائل بذلك، الآن مع الدليل العلمي في عدة نقاط منفصلة:
1- تحلل الأجسام هو عملية كيميائية تنفجر فيها الخلايا بعد توقف القلب عن الضربات وحرمانها من الأكسجين اللازم للحياة، ويبلغ عدد خلايا جسم الإنسان أكثر من 50 تريليون خلية...تخيل الفوضى التي تحدث بتدمير كل هذا العدد في وقت واحد داخل الجسم..
2- أجسام الكائنات الحية تتحلل فورا بعد توقف القلب ، إنما الرائحة تظهر تدريجيا لفترة قد تستغرق عدة ساعات حسب درجتي الحرارة والرطوبة ، وهذا يعني أن مكان الجثة مهم جدا في عملية التحلل، وكلما كانت الحرارة منخفضة أو تفاعلت بعض المواد الكيميائية الأخرى مع الجثة كلما تبقى بدون تحلل بسبب وقف تدمير الخلايا وبالتالي تصلب الجسم عند حالة معينة قد تستمر لآلاف السنين.
يرجى العلم أن الجسم البشري به أكثر من 30 تريليون بكتريا وميكروبات تنشط فورا بعد توقف عضلة القلب لتبدأ دورتها في التهام الجثة، وتستفيد هذه الكائنات من درجة الحرارة والرطوبة والهواء للعمل، وكلما كانت الجثة مكشوفة ورطبة في مكان حار كلما تحللت بسرعة والعكس صحيح.
3- المناخ البارد يساعد على بقاء الجثة دون تحلل ربما لعدة أيام ، إنما المناخ الحار يساعد في التحلل بعد عدة ساعات، والأنبياء أكثرهم عاشوا في الشرق الأوسط ذو المناخ الحار والرطب، يعني علميا أجساد الأنبياء لم تستمر لعدة ساعات حتى بدأت في التحلل، أستثني من دفنوا في الرمال الساخنة مكفنين في أقمشة قوية، فالحشرات لم تصل إليهم وأكثر الميكروبات اختنقت بحرارة الرمل وطبيعي يتأخر تحللهم قليلا عن نظرائهم في أماكن مكشوفة ، لكن في النهاية الجميع يتحلل.
4- الجسم الممتلئ يتحلل بسرعة أكثر من الجسم النحيف، والسبب أن الخلايا الدهنية لديه أكثر وتنفجر بشكل أسرع، أي يمكن لشخصين نحيف وسمين توفيا معا أن يتأخر النحيف قليلا في التحلل، ولا يعتبر ذلك كرامة لأن للموضوع سبب علمي.
5- الجثث المحفوظة في نعوش أو صناديق محكمة الغلق يتأخر تحللها عن الجثث المدفونة في التربة مباشرة، فعناصر التربة تتفاعل مع الخلايا والبكتريا لتقضي على الجثة كاملة خلال سنوات تصبح بعدها هيكل عظمي، أما النعش المغلق لا يسمح بدخول الهواء التي تتغذى عليه البكتريا والميكروبات فيتأخر تحلل الجثث لسنوات، وهذا يعني أن وجود بعض القبور بها جثث مدفونة في نعوش مغلقة لم تتحلل لا يعني كرامة إلهية أو سبب ديني، فبقاء الجثة هكذا له سبب علمي.
كذلك فالميكروب موجود داخل أجسامنا لكن ما يمنعه من أذى الإنسان هو جهاز المناعة immune system الذي يقوم بوظيفة البودي جارد، وعندما يموت الإنسان ينهار ذلك الجهاز فتهجم مليارات الميكروبات على الجسم فورا تنهشه، وهذا يعني أن بقاء الجسم دون تحلل يعني إما الميكروب لا يجد الهواء اللازم ليعيش أو تفاعلت خلايا الجسم بمواد أخرى مضادة له (التحنيط الفرعوني نموذج) ..أو أن الميكروب نفسه مات بأثر الثلج.
6- عملية تحلل الأجسام تشبه بالضبط عملية افتراس الحيوانات، فالأسد عندما يفترس يبدأ بالبطن والأماكن الرخوة في الجسد أولا، ثم ينتهي بعد ذلك بالعظام، وهي نفس دورة البكتريا في التهام الجسد، أنها تبدأ أولا بالبطن ثم إلى الرأس والقدم في وقت واحد ثم تنتهي أخيرا بالعظام.
7- يطلق الجسم أثناء التحلل روائح غاز الميثان methane وكبريتيد الهيدروجين hydrogen sulphide وهي غازات كريهة الرائحة جدا ، إضافة للآمونيا التي تسبب الاختناق، لذلك فعند الدخول على جثة تتحلل يجب توفير كمية جيدة من الأكسجين للتنفس وارتداء الكمامات الواقية
وللعلم فالآمونيا يضر الإنسان نعم، لكنه مفيد للتربة ويزيد من خصوبتها ويستعمل بكثرة في صناعة الأسمدة ، وهذه حكمة إلهية في دفن الأجسام، فبقاء الدفن يضمن استفادة البيئة من عناصر الكائنات الميتة، وهذا يعني أن بقاء أجسام الرسل بدون تحلل لا يساعد تلك البيئة على النماء ويعطي مبدأ معكوس وهو .."أن المفضول يبني والأفضل لا"..وهذا غير منطقي فالأفضل هو الأفضل لأنه يبني وليس العكس.
8- ليس الآمونيا فقط ، جسم الإنسان به عناصر كالبوتاسيوم والماغنسيوم والفوسفور، وهذه عناصر مفيدة للبيئة، لكن ولأن الجسم أيضا به نيتروجين _وهو عنصر سام_ فهو يقتل النبات حول الجثة إبان فترة التحلل، لكن فور نهاية عملية التحلل تبقى كل العناصر الأخرى مفيدة للتربة، وهذا يعني مرة أخرى أن الدفن والتحلل دورة كونية لديمومة الحياة ولا يمكن اعتبار عدم التحلل فضيلة لأنه ينقض تلك الغاية الإلهية.
أخيرا: شعوب الصين والهند لا تدفن وتترك موتاها إما في الماء أو في العراء وإما للحرق، ورأيي أنهم حُرِموا من فضيلة الدفن العلمية، أولا: بانبعاث روائح كريهة وغازات قاتلة تسبب أمراض، وثانيا: من عدم انتفاع تربتهم – الخصبة أصلا- من عناصر الأجسام، لكنهم يفعلون ذلك لأسباب دينية، كما أن الدفن أيضا يمارس عند بقية الشعوب لأسباب دينية، وفي النهاية يغلب على البشر تحكيم قناعاتهم الدينية على العلمية إلا ما ندر.