الحديث الّذي يقوّي نظرية المؤامرة
نصّ الحديث
وشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم
كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها .
فقال قائلٌ : ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟
قال : بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ
ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءُ السَّيلِ
ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم
وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ .
فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ ! وما الوهْنُ ؟
قال : حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ
الراوي : ثوبان مولى رسول الله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 4297 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
هذا من أشهر الأحاديث التي يرددها الشيوخ على المنابر
والحديث يدعو عملياً إلى ما يُعرف.."بعسكرة الدين"..
لذا فهو قاعدة رئيسية في أدبيات داعش وآخرين
وكل من ينتمي إلى الإسلام السياسي..
مبدئياً
الحديث غير موجود في الصحيحين...
رغم أنه مروي في مسند الطيالسي
قبل وفاة البخاري ب50 عاماً وردده ابن حنبل في مسنده بعد ذلك ب20 عاماً.
فلماذا رفض البخاري ومسلم ذلك رغم شهرته؟!
بحثت في الحديث من ناحية السند وجدت هذه الملاحظات:
1-
الحديث غير مروي إلا من طريق.."ثوبان"
..المعروف أنه مولى رسول الله.
2-
الحديث موقوف مرة على ثوبان ومرفوع مرة لرسول الله
وهذا يعني وهم الرواة في الرفع...
مما يعني أنه في الأصل كلام ثوبان وليس كلام الرسول.
وهذا ثابت من وجهين
الأول
أن أول تدوين للحديث كان في مسند الطيالسي (توفى 204هـ) موقوفاً على ثوبان
ومعلقاً بالرفع برواية يونس عن ابن فضالة.
الثاني
في تدوين ابن أبي شيبة له في مصنفه(توفى 235هـ) موقوفاً على ثوبان.
وهذا يعني أن أول مدونين اثنين للحديث (الطيالسي وابن أبي شيبة) رووه موقوفاً
أي قالوا أنه من كلام ثوبان
وليس حديثاً مرفوعاً والنبي برئُ منه.
3-
سند الحديث عند الطيالسي وابن أبي شيبة عن أبي الأشهب عن عمرو بن عبيد عن ثوبان
لكن أبي الأشهب لم يسمع من عمرو بن عبيد المعروف(بالتميمي)
وكذلك لم يسمع عمرو من ثوبان
فكيف رواه الطيالسي وابن أبي شيبة وسنده مقطوع..؟!
4-
أحد رواة الحديث هو عمرو بن عبيد المشهور بالاعتزال
وقد رماه أهل الحديث بالبدعة والقدر
أي الحديث -حسب مناهج المحدثين-مقطوع.
5-
الطريق الثاني للحديث في مسند ابن حنبل(توفى241هـ)
من طريق مرزوق الحمصي عن أبي أسماء الرحبي
ومرزوق هذا غاية ما قيل فيه أنه.."لا بأس به"..
يعني ليس صدوقاً ولا ثبتاً ولا ثقة..
يعني حسب تعبير المحدثين.."فوق البيعة"..
أما أبي أسماء الرحبي فهو ثقة لديهم
ولكن لم يسمع منه مرزوق الحمصي
وفي ترجمة الرحبي لم يذكر المحدثون سماع مرزوق منه
وقد سجل ذلك من يلي..
رواة التهذيبيين(5109)سير أعلام النبلاء(1/491)التاريخ الكبير للبخاري(6/376)
تاريخ الإٍسلام(2/1191)تهذيب الكمال(22/223)(33/34)
6-
الطريق الثالث في سنن أبي داوود(توفى 275هـ)
عن عبدالرحمن ابن ابراهيم الدمشقي
وهو كذوب كان يضع الحديث
قال فيه العقيلي حديثه موضوع وكذلك قال الليث..
7-
الطريق الرابع في معجم ابن الأعرابي (توفي 340هـ)
عن علي عن عبدالله بن صالح
وسنترك علي لأن ابن الأعرابي لم يذكر من هو
ولكن عبدالله بن صالح قال عنه النسفي كان يكذب في الحديث
والنسائي ليس بثقة
وأحمد بن صالح اتهمه وقال أنه ليس بشئ
وعن عبدالرحمن بن أبي حاتم قال سألت أبا زرعة عنه قال كان ممن لا يتعمدون الكذب
وهذا يعني أنه كان يكذب ولكن ليس متعمدا..
هذه مناقشة تفصيلية لسند الحديث والخلاصة
أولاً
الحديث موضوع ومقطوع حسب مناهج المحدثين
ومؤخراً صححه الألباني لا أعلم على أي أساس
وقد ناقشنا منهج الرواة الأوئل في تضعيفه والحكم بانقطاعه..
ثانياً
هذا الحديث من أكثر الأحاديث خطورة على الإسلام والمسلمين
حيث يوهمهم دائماً بالدونية والمؤامرة.
ثالثا
الحديث واضح جداً أنه يدعو إلى عسكرة الدين
وانتقاله من رحاب الدعوة المسالمة بالحكم و الموعظة
إلى الحرب والقتال لكافة الأمم..
ورغم ذلك تجد كثيرا من الناس يرددونه على المنابر بكل بلاهة
بل ويعززون به اعتقادهم بالمؤامرة
ولأن مساحة الدين لديهم ضيقة في المذهب
فيجوز أن كل مخالف هو متآمر بالضرورة
ونأتي إلى الجذور
سنجد أن المحدثين والكذابين والوضاعين
هم من فعلوا تلك الجريمة..
مقال للباحث سامح عسكر