آية مصيريّة تنفي وجود مهنة رجل الدين: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ==>ما جعل الله 1-أشخاصا يتوسّعون في الدّين و يضيفون فيه 2-و لم يهمل فيه شيئا 3-و لم يجعل صلة وصل بينه و بين الناس 4-ولم ينصّب أحدا لحماية الدّين و لكنّ المتكبّرين المنكرين يفترون الأكاذيب على الله وأكثرهم لايعقلون

موضوع 32

كان المذهب الحنبلي هو المذهب السائد بأرض العراق خلال القرنين الثالث والرابع الهجري

وذلك بفضل صمود الإمام أحمد في محنة خلق القرآن

وهذا الصمود أعلى من شأن الحنابلة ورفع قدرهم في أعين الناس والعامة

وأقبلوا على تعلم العلم وفقًا للمذهب الحنبلي

حتى أصبح الحنابلة أغلبية بأرض العراق

وكان رأس الحنابلة بالعراق أبا بكر محمد بن الحافظ أبي داود صاحب السنن

ولم يكن الرجل جديراً بهذا المنصب على الرغم من مواهبه وقدراته

ولكنه نال الزعامة الشعبية لدى الحنابلة

لشهرة أبيه الحافظ الكبير أبي دواد والذي يعد من تلاميذ الإمام أحمد المقربين له.

كانت بين أبي بكر وبين الإمام ابن جرير الطبري مشاحنات وخلافات

وكلاهما لا ينصف الآخر

ووقع بينهما ما يقع بين الأقران في كل عصر ومكان

ولو وقف الخلاف بين الرجلين عند هذا الحد لكان الأمر هينًا يسيرًا

لتوافر أمثال هذه الخلافات في كل عصر

ولكن هذا الخلاف قد أخذ منحنىً جديدًا

حتى تحول إلى محنة كبيرة للإمام ابن جرير الطبري.

بلغت المحنة أوجها ووصل التعصب إلى ذروته

وظل الحنابلة على حصارهم لبيت الطبري حتى بعد أن بلغهم خبر وفاته

مما دفع أصحاب الطبري لأن يدفنوه في صحن داره برحبة يعقوب ببغداد

ولم يخرج الطبري من حصاره حتى بعد موته

ولكن هذا الحصار والتعصب المقيت لم يمنع الناس أن يأتوا إلى بيته للصلاة عليه

حتى إن الناس ظلوا عدة شهور يصلون على قبره ليلاً ونهارًا.

توفي  الطبري محاصرًا مضطهدًا من الجهلة والمتعصبين، وراح ضحية محنة مقيتة.

ذكر ابن الأثير عن الطبري فقال

"وفي هذه السنة –يقصد 310هـ- توفي محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ ببغداد

ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين، ودفن ليلًا بداره

لأن العامة -يعني الحنابلة- اجتمعت ومنعت من دفنه نهارًا

وادعوا عليه الرفض، ثم ادعوا عليه الإلحاد

وكان علي بن عيسى –الوزير- يقول

"والله لو سُئل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه ولا فهموه ".

وذكر ابن كثير في ترجمة الطبري

فقال: "ودُفن في داره؛ لأن بعض الرعاع من عوام الحنابلة منعوا من دفنه نهارًا

ونسبوه إلى الرفض، ومن الجهلة من رماه بالإلحاد

وحاشاه من هذا ومن ذاك أيضًا

بل كان أحد أئمة الإسلام في العلم بكتاب الله وسُنة رسوله

وإنما تقلدوا ذلك عن أبي بكر محمد بن أبي داود

حيث كان يتكلم فيه ويرميه بالعظائم ويرميه بالرفض".

وعبارة "تقلدوا ذلك عن أبي بكر بن أبي داود"

تختصر قصة التعصب: جهل وتقليد وعاطفة غير راشدة.

المراجع

ابن كثير سير أعلام النبلاء

ابن كثير في ترجمة الطبري