مقال لطريف سردست
قديما كانت الأنثى ، و كانت الديانات الأمومية
تقدس الجنس ، كطاقة مخصِبة ، في مسار نشوء و تطور الظاهرة الدينية تاريخانيا..
ففي بلاد ما بين النهرين ، و على مدى نحو ثلاثة آلاف سنة (من منتصف الألف الرابعة إلى منتصف الألف الأولى قبل الميلاد) ، كانت حضارات تعتبر المصدر الأساس للديانات الموصوفة بالإبراهيمية (الصابئية ، اليهودية ، المسيحية ، الإسلام) . و كانت الديانة السائدة في الحضارات الرافدية الثلاث ديانة أمومية (متريركية) أو مطبوعة بالأمومية ، تقام فيها الطقوس لعبادة ربة الطبيعة و الخصب و الدورة الزراعية (إنانا / عشتار) . و أهم تلك الطقوس الدينية هي طقوس الجنس المقدس ، التي تقام في رأس السنة ، حيث يعلن الكهنة بقيام قوة طاقة الإخصاب الكونية ، الكامنة في الإلهة عشتار ، الأم الكبرى ، العذراء ، العاشقة ، الشهوانية ، واهبة الحياة .
في زمننا هذا ، نخجل أن نتحدث في جمع مختلط عن الأعضاء التناسلية ، لكن الأمر كان مختلفا تماما في العصور القديمة ، حيث كانت الأعضاء الجنسية محل تقديس و إجلال و مبعث اعتزاز و تقدير ، و كانت الصلوات و التراتيل الدينية طقسا من طقوس عبادة المهبل و القضيب . ففي تلك العصور القديمة ، و بمختلف البلدان ، و لدى كثير من الشعوب و التجمعات البشرية ؛ نشأت و سادت عديد الديانات ، التي تقدس مختلف الآلهة . و من بين تلك الآلهة عبد الإنسان الربات الإناث ، حيث سادت ديانة الخصب ، التي كانت طقوسها أنثوية محضة ، ومن ثم كان الناس يتعبدون للعضو التناسلي الأنثوي (الفرج / المهبل) ، باعتباره مصدر الحياة ، فقد وُجدت لُقى أثرية - في العراق و الشام - تعود إلى ما يزيد عن ستة آلاف عام قبل الميلاد ، تمثل الأنثى في منحوتات و تماثيل طينية ، تميزت بضخامة منطقة الحوض و ضخامة الثديين ، قياسا إلى باقي أجزاء الجسم ، بما يعنيه كل من الحوض و الثديين من إعطاء الحياة بالولادة و الإرضاع . و في الهند و جنوب شرق آسيا ، عُبد كل من المهبل و القضيب ، كإلهين مقدسين ، باعتبار أنهما هما الربان الخالقان واهبا الحياة ، فقد عبد الهندوس المهبل الإلهي (يوني) ، و شيدوا لعبادته المعابد ، و صنعوا له تماثيل ضخمة ، تجسد جميع تفاصيله التكوينية ، رمزا للربة الأنثى (شاكتي) ، و عبدوا القضيب الإلهي (لينغام) رمزا للرب الذكر (شيفا) . و كما كانت طقوس العشق المقدس ، تقام في بلاد ما بين النهرين (العراق) تقديسا للربة عشتار ، فقد كانت طقوس دينية مماثلة ، تقام في مناطق حوض نهر الإندوز و الهند عموما ، تقديسا لكل من الرب الذكر شيفا و رمزه القضيب (لينغام) ، و زوجته الربة شاكتي و رمزها المهبل (يوني) .
و كما هو التطابق بين شكل المهبل الهندوسي المقدس (يوني) و شكل غلاف الحجر الأسود ، فكذلك ثمة تطابق شبه كامل بين كل من طقوس الحج للكعبة المكية و طقوس الحج الهندوسية الشيفية ، كلباس الإحرام و حلق الشعر و الطواف ، و ما الحجر (النيزكي) الأسود و غلافه ، إلا تجسيد رمزي ، يحيل إلى فكرة اللينغام و يوني في الديانة الشيفية ، و كما تقبيل واستلام الحجر الأسود في الكعبة المكية ، فكذلك تقبيل المهبل الهندوسي يوني و الانحناء أمامه مع وضع وردة في الفتحة ، و إلا فإن الرجل يفقد قيمته في ألف هيئة من التقمصات الحياتية اللاحقة .
و ليس مستبعدا أن يكون العمود الحجري ، الذي يتوسط الشكل الدائري في مجسم رمي الجمرات ، تجسيدا لعضو الذكورة الشيفي (لينغام) و هو يخترق التجويف المهبلي (يوني) . تعبيرا رمزيا عن الاتصال الجنسي ، كطقس تعبدي في الديانة الشيفية ، الذي ربطته الديانة اليهودية - لاحقا - بالخطيئة و غواية الشيطان ، و تبعتها في ذلك بقية الأديان الإبراهيمية (البدوية) الذكورية ، التي قامت على أنقاض ديانات الخصب الأمومية ، و من ثم فقد تحول مقام لينغام و يوني ، إلى مَعلَم يمثل الشيطان (الرجيم) في طقس رمي الجمرات .