آية مصيريّة تنفي وجود مهنة رجل الدين: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ==>ما جعل الله 1-أشخاصا يتوسّعون في الدّين و يضيفون فيه 2-و لم يهمل فيه شيئا 3-و لم يجعل صلة وصل بينه و بين الناس 4-ولم ينصّب أحدا لحماية الدّين و لكنّ المتكبّرين المنكرين يفترون الأكاذيب على الله وأكثرهم لايعقلون

الجهاد و الغزو من أجل الجنس

ثورة الشرف للأمازيغ على الأمويين

في سنة 740م أعلن القائد الأمازيغي المسلم ميسرة المدغري الثورة العارمة على سلطة بني أمية في شمال إفريقيا

وهذا كردة فعل طبيعية للظلم والاحتلال الذي وقع على قومه

والذي بلغ حد فرض التخميس (الجزية) عليهم رغم إسلامهم

ولم ينته هذا التخميس في الأملاك فقط بل بلغ الولدان قصد الاسترقاق حسب ما نقلته لنا الكتب الإسلامية (1).

 

كما زعم ولاة بني أمية أن الأمازيغ وأموالهم ملكية خاصة للعرب يفعلون فيها ما يشاؤون، وكان سبي النساء الأمازيغيات متواصلا إلى هذا التاريخ بدليل الرسالة الشهيرة التي كتبها الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك لعامله (ممثله) عبد الله بن الحبحاب في أفريقيا (تونس)

والتي طلب فيه أن يُرسل له المزيد من النساء الأمازيغيات حيث جاء فيها ما يلي

"كتب هشام إلى عامله على إفريقية

أما بعد، فإن أمير المؤمنين لما رأى ما كان يبعث به موسی بن نصير إلى عبد الملك (بن مروان)

أراد مثله منك وعندك من الجواري البربريات المالیات للأعين الآخذات للقلوب

ما هو معوز لنا بالشام وما والاه.

فتلطف في الانتقاء

وتوخّ أنيق الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل

وسبوطة العصب، وجدالة الأسؤق، وجثول الفروع، ونجالة الأعين، وسهولة الخدود

وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخامة الكلام.

ومع ذلك، فاقصد رشدة وطهارة المنشأ. فإنهن يتخذن أمهات أولاد والسلام" (2)

 

قبل إعلان الحرب والتمرد ذهب نفر من الأمازيغ بقيادة مسيرة المدغري إلى الخليفة الأموي هشام بدمشق

وحملوا له رسالة لخصوا فيها ظلم ولاة الخلافة الاموية لهم في بلادهم

وطالبوا مقابلة الخليفة ليسلموا له الشكوى

لكنه رفض مقابلتهم لأنه كان متواطئا مع ولاته

فهو من كان يطلب الغنائم والجواري من ولاته هناك، كما جاء في رسالته.

 

بقي الوفد الأمازيغي ينتظر في بلاط الخليفة حتى سئم

فقرر الوفد تبليغ الرسالة إلى الوزير الابرش دونت فيها أسماء وأنساب الوفد

وطلب تسليمها إلى الخليفة وشد الرحال للعودة إلى الديار .

وقد نقل لنا المؤرخ العربي ابن الأثير نص تلك الرسالة المهمة

التي تلخص لنا الظلم الذي كان يمارسه ولاة بني أمية على الأمازيغ وجاء فيها ما يلي

" أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده

فإذا أصاب نفلهم (الغنيمة) دوننا وقال هم أحق به، فقلنا هو أخلص لجهادنا.

وإذا حاصرنا مدينة قال: تقدموا وأخر جنده، فقلنا تقدموا فانه ازدياد في الجهاد

ومثلكم كفى إخوانه فوقيناهم بأنفسنا وكفيناهم

ثم أنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرونها (يفتحون بطونها) عن السخال

يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين، فاحتملنا ذلك وخليناهم وذلك

ثم أنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا فقلنا

لم نجد هذا في كتاب ولا سنة، نحن مسلمون، فأحببنا أن نعلم، أعن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا" (3)

 

بمجرد وصولهم إلى بلادهم في شمال أفريقيا أعلنوا الحرب على جيوش بني أمية بعدما فهموا اللعبة

وكانت البداية من طنجة بالمغرب

حيث جمع ميسرة جيشا من الأمازيغ بلغ نحو سبعين الف جندي ممن اعتنق المذهب الصفري والأباضي من قومه

فزحف بهم نحو طنجة فاشتبك مع عمر بن عبد الله المرادي في معركة قرب أحواز طنجة فقتله.

ثم انتقل إلى سوس وقتل من فيها من الأمويين وذاع خبر الانتصار في البلاد

فبايعه الأمازيغ كأمير المؤمنين عليهم.

اُرسل خالد بن حبيب لإخماد ثورة المدغري لكنه فشل

وانسحب إلى تلمسان ينتظر المدد

ترك بنو أمية مستعمرتهم في صقلية للتفرغ لثورة الأمازيغ

فسار جيش القائد الأموي حبيب نحو المغرب الأوسط (الجزائر حاليا) لمآزرة ابنه خالد هناك

فنزل جيشه قرب نهر الشلف.

لكن المدغري تراجع عن المواجهة وبقي في طنجة فنقم عليه أهله الأمازيغ فعزلوه وقتلوه بسبب تهاونه

وخلفوا مكانه قائدا أمازيغيا آخر يسمى خالد بن حميد الزناتي فسار هذا الأخير إلى معكسر بني أمية بنهر الشلف

حيث وقعت معركة تاريخية جمع العرب فيها خيرة فرسانهم الذين أطلقوا على أنفسهم

حماة العرب (وليس حماة الإسلام).

اندلعت المعركة واستبسل الجيش الأمازيغي الثائر فقضي على كل الجيوش العربية.

تقول المصادر الإسلامية إنه لم يبق منها ولا جندي واحد.

نقل لنا المؤرخ الرقيق القيرواني الواقعة وقال

" التقى خالد بن أبي حبيب والبربر، فكان بينهم قتال شديد فبينما هم كذلك إذ غشيهم (فاجأهم) ابن حميد الزناتي بعسكر عظيم

فتکاثرت عليهم البربر وانهزموا، فگره خالد أن ينهزم

فالقى بنفسه هو وأصحابه إلى الموت

فقتل خالد بن أبي حبيب وجميع من معه حتى لم يبق من أصحابه رجل واحد

وقتل فيها جماعة العرب وفرسانهم

فسميت تلك الوقعة غزوة الأشراف وانتقضت البلاد والناس. " (4)

 

أطلق المؤرخون العرب على هذه المعركة "معركة الأشراف"

لأن عددا كبيرا من أشراف العرب قتلوا فيها

في الوقت الذي كان المؤرخون أنفسهم يسمون البطل الأمازيغي مسيرة المدغري بالحقير

لأنه دافع عن شرف قومه وعرضهم

وكانت ثورته بداية لطرد جيوش بني أمية من شمال أفريقيا وسقوط الدولة الأموية بعد عشر سنوات فقط.

 

أما الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك في الشام

فقد جن جنونه بعد سماعه بنتائج المعركة

وأقسم على الانتقام والثأر للعرب وليس للمسلمين!

حسب ما جاء في كلامه الذي نقله لنا المؤرخون العرب والذي جاء فيه

"والله لأغضبن لهم غضبة عربية، ولأبعثن إليهم جيشا أوله عندهم، وآخره عندي

ثم لا تركت حصن بربري إلا جعلت إلى جانبه خيمة قيسي أو تميمي" (5)

 

كانت الدولة الأموية قائمة على العصبية العربية القبلية وكان فسادهم عظيما

لم يسلم منه حتى الإسلام، فقد اختلقوا الكثير من الأحاديث لتبرير جرائمهم

وادعوا أن الإمامة والقيادة يجب أن تكون لأشراف قريش فقط

وهو ما دفع الأمازيغ إلى اعتناق المذهب الأباضي والصفري

الذي كان متفتحا وضد عقيدة طاعة ولي الأمر

حتى ولو كان الطاغية الذي اوجده الامويون لإبقاء المسلمين العجم تحت طاعة واستعباد العرب.

فالأمازيغ تبنوا هذه المذاهب نكاية  في إسلام بني أمية

تماما كما تبنوا قبل ذلك المذهب الكاثوليكي المسيحي نكاية في الرومان الوثنيين

ثم اعتنقوا المذهب الدوناتي والاريوسي بمجرد اعتناق الرومان للمذهب الكاثوليكي.

مصطفى صامت.

المراجع

1- الدكتور محمد الطالبي، الدولة الأغلبية 800م-909م التاريخ السياسي، ص 37. نقلا عن المؤرخ البلاذري

2- نفس المصدر، ص 40.3- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3و5 الطباعة الأزهرية 1301هج.

4- الرقيق القيرواني، تاريخ أفريقية والمغرب، ص ص 67 و68.5 - ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار الاندلس والمغرب، ج1، ص، ص 53 و54.