آية مصيريّة تنفي وجود مهنة رجل الدين: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ==>ما جعل الله 1-أشخاصا يتوسّعون في الدّين و يضيفون فيه 2-و لم يهمل فيه شيئا 3-و لم يجعل صلة وصل بينه و بين الناس 4-ولم ينصّب أحدا لحماية الدّين و لكنّ المتكبّرين المنكرين يفترون الأكاذيب على الله وأكثرهم لايعقلون

استخدام المصدر كدلیل

أحد أشھر الحجج التي یستخدمھا المسلمون وغیرھم من أتباع الدیانات الأخرى في الدفاع
عن معتقداتھم ھي استخدام المصدر كدلیل
المنطق من ھذه الحجة كالتالي:
“بما أن ھذا القول أو ھذا الجدل وصل إلینا من ھذا المصدر، إذا ھو صحیح بالضرورة
وبشكل تلقائي”
“بما أن ھذا الإنسان أو ھذا الكتاب قدم إلینا معلومة ما أو فكرة ما، إذا ھي صحیحة
بالضرورة لمجرد أنھا جاءت من ھذا المصدر ولا تحتاج إلى أي أدلة أو براھین أخرى”
كل من یلجأ لھذه الحجة یستخدم مصدر الجدل أو الفكر كدلیل على صحة ھذا الجدل أو الفكر
مثلا، المسلم قد یقول: “ورد في البخاري أن من تصبح بسبع تمرات عجوة لم یضره سم ولا
سحر ذاك الیوم”
“بما أن ھذا الحدیث جاء في صحیح البخاري، إذا ھو صحیح دون شك”
ھذا المسلم یستخدم المصدر، أي صحیح البخاري، كدلیل على صحة ھذا الحدیث
ومثال ثاني، المسیحي قد یقول: “البابا لیو العاشر زعم أن من یشتري صكوك الغفران
یضمن مكانا لھ في الجنة”
“بما أن البابا ھو من قال أن صكوك الغفران تدخل مشتریھا الجنة، إذا لا بد أن یكون كلامھ
صحیحا”
ھذا المسیحي یستخدم المصدر، أي البابا لیو العاشر، كدلیل على صحة ھذا الاعتقاد
ومثال ثالث، طبیب عشوائي قد یقول: “أكل مخ الخرتیت یمنح آكلھ قوة جنسیة مفرطة”
“أنا لدي أكثر من ثلاثین سنة خبرة في مجال الطب ونشرت مئات الأبحاث ولذلك كلامي
صحیح بالضرورة”
ھذا الطبیب یستخدم المصدر، أي خبراتھ وشھاداتھ وأبحاثھ، كدلیل على صحة ھذا الزعم
ما المشكلة في ھذه الحجة؟
ما المشكلة في استخدام المصدر كدلیل على صحة الفكر أو الجدل؟
المشكلة أن المصدر لیس دلیلا على صدق الفكر أو الجدل ولا یؤثر على صحتھ أو عدم
صحتھ على الإطلاق
الفكر أو الجدل یجب أن یحلل وینتقد ویدرس بغض النظر عن مصدره
في حالة المسلم، كون ھذا الحدیث موجود في صحیح البخاري لا یعني أنھ صحیح بالضرورة
وأیضا لا یعني أنھ خطأ بالضرورة
یجب أن نثبت صحة أو خطأ ھذا الحدیث بالدلیل وبالبرھان، لا أن نصدق صحتھ بعمى لمجرد
أنھ ورد في صحیح البخاري
لكل من یصدق ھذا الحدیث، أنت بإمكانك أن تثبت صحتھ بسھولة

كل ما علیك فعلھ ھو أن تأكل سبع تمرات صباحا ثم تشرب جرعة سم
لو لم تمت إذا الحدیث صحیح
ولكن لو مت إذا الحدیث غیر صحیح
ولكن المشكلة أنھ لا یوجد أي دلیل مطلقا على صحة ھذا الحدیث
نحن مطالبون بتصدیق ھذا الحدیث لمجرد أنھ ورد في صحیح البخاري
وھذا لیس دلیلا كافیا ولا مقنعا بل أنھ لیس دلیلا من الأصل ولا یعطي ھذا الحدیث أي
مصداقیة
نحن لسنا مطالبون بتصدیق ھذا الحدیث إلا إذا كان ھناك دلیلا منطقیا أو علمیا یؤیده ویثبت
صحتھ
في حالة المسیحي، لمجرد أن البابا ھو من قال أن شراء صكوك الغفران تدخل الجنة لا یعني
أنھ صحیح بالضرورة وأیضا لا یعني أنھ خطأ بالضرورة
یجب أن نثبت صحة أو خطأ ھذا الزعم بالدلیل وبالبرھان، لا أن نصدق صحتھ بعمى لمجرد
أن البابا ھو من قالھ
لكل من یصدق ھذا النوع من الفكر، أنھ بإمكانك شراء مكانا لك في الجنة بالمال، لا یمكنك
أن تثبت صحة ھذا الزعم لا بالمنطق ولا بالأدلة العلمیة
فلم یرجع أي إنسان من الموت لیثبت صحة أو عدم صحة ھذا الزعم
وحتى لو فرضا عاد إنسان من الموت وأكد ھذا الكلام، ھذا أیضا لیس دلیلا كافیا
كما أنھ لیس من المنطق أن تكون الجنة للأغنیاء فقط
المسیحیون مطالبون بتصدیق ھذا الكلام لمجرد أن البابا ھو من تفوه بھ
وھذا لیس دلیلا كافیا ولا مقنعا بل أنھ لیس دلیلا من الأصل ولا یعطي ھذا الزعم أي
مصداقیة
نحن لسنا مطالبون بتصدیق ھذا الزعم إلا إذا كان ھناك دلیلا منطقیا أو علمیا یؤیده ویثبت
صحتھ
في حالة الدكتور، كون ھذا الدكتور متخصص وخبیر في مجال الطب لا یعني أن كلامھ حول
أكل مخ الخرتیت صحیح بالضرورة وأیضا لا یعني أنھ خطأ بالضرورة
یجب أن نثبت صحة أو خطأ ھذا الزعم بالدلیل وبالبرھان، لا أن نصدق صحتھ بعمى لمجرد
أن ھذا الدكتور ھو من قدمھا
بإمكان أي إنسان أن یثبت صحة أو خطأ ھذا الزعم بسھولة
كل ما علیھ فعلھ ھو أن یقوم ببعض التجارب العلمیة على بعض المتطوعین
لو أكل مخ الخرتیت منح المتطوعین قوة جنسیة مفرطة مقارنة بغیرھم، إذا كلام الدكتور
صحیح
ولو لم یختلف أدائھم الجنسي عن غیرھم، إذا كلام الدكتور خطأ
ھل نحن مطالبون بتصدیق زعم الدكتور لمجرد أنھ لدیھ خبرة في مجالھ وبعض الشھادات؟
أم أنھ یجب علیھ أن یقدم أدلة وبراھین علمیة لإثبات نظریتھ؟
خبرة الدكتور في مجالھ لیست دلیلا كافیا ولا مقنعا بل أنھا لیست دلیلا من الأصل ولا تعطي
ھذا الزعم أي مصداقیة

نحن لسنا مطالبون بتصدیق ھذا الزعم إلا إذا كان ھناك دلیلا منطقیا أو علمیا یؤیده ویثبت
صحتھ
الكثیر من المسلمین لدیھم مشكلة في طلب الدلیل عندما یتعلق الأمر بالدین
ولكن ما ھي المشكلة في طلب الدلیل؟
ھل نحن مطالبون بالتصدیق الأعمى دون الشك والاستجواب أم بالتفكر والتدبر والسؤال
والدراسة... وطلب الدلیل؟
لو فرضا مجرم نصحك بمعاملة الناس بإحسان...
كلنا سنتفق أن ھذه نصیحة جیدة ومفیدة
فھل كون ھذا الإنسان مجرم یؤثر على صحة ھذه النصیحة؟
ھذه النصیحة قد تخرج من فم أي إنسان أو توجد في أي كتاب
فھل اختلاف المصدر یؤثر على صحتھا؟
ولو فرضا إنسان صالح عنده عدة شھادات نصحك بمعاداة كل من خالفك الرأي
ھذه النصیحة سیئة وضارة مھما كان مصدرھا ومھما زادت شھادات الإنسان الذي تفوه بھا
فلماذا تصبح النصیحة السیئة فجأة جیدة عندما تأتي من مصدر معین؟
لماذا یصبح الفكر الظالم فجأة عادلا عندما یأتي من مصدر معین؟
الفكرة قد تأتي من ألف مصدر مختلف، ولذلك یجب ألا یكون للمصدر أي تأثیر على صحة أو
عدم صحة ھذه الفكرة
الفكر أو الجدل یجب أن ُیحلل وُینتقد وُیدرس بغض النظر عن مصدره
ولكن ستلاحظون أن المسلمین یعطون المصدر أھمیة فقط في حالتین:
الحالة الأولى، لتأیید آرائھم ومعتقداتھم الحالیة، خصوصا إن لم یكن ھناك أدلة على صحتھا
في ھذه الحالة یستخدمون المصدر كوسیلة لإثبات صحة زعمھم وأیضا لإسكات الناس
مثلا: “بما أن السبي نسب للرسول إذا ھو بالضرورة أمر ُمباح ُومبرر... كل من یعترض
علیھ فھو یخالف الرسول”
ومثال ثاني: “من حق الذكر أن یعدد بینما الأنثى لیس من حقھا... ھذه حكمة الله وعقلنا
القاصر لن یستوعبھا، ولذلك واجبنا السمع والطاعة دون استجواب”
في ھذه الحالة ینسبون كلامھم للخالق وللرسول لیعطوه مصداقیة ولیسكتوا الناس
الحالة الثانیة، لإبطال كل ما خالف آرائھم ومعتقداتھم الحالیة
في ھذه الحالة یعطون المصدر أھمیة من أجل الھجوم على شخص المعارض
یعتقدون أن الھجوم على شخصھ یبطل حججھ بشكل تلقائي
مثلا، لو قدم إنسان ما بحثا یخالف الموروث ویخالف معتقدات مئات الملایین من المسلمین،
معظم المعارضین سیھجمون على شخصھ
“من أنت لكي تتحدث في الدین؟ ما ھي مؤھلاتك؟ ھل لدیك شھادات في علوم الدین؟
اعترف، ما ھي دیانتك؟”
الھدف من وراء ھذا الھجوم ھو إبطال حجج ھذا المعارض بتشویھ سمعتھ ومصداقیتھ
والمصیبة أنھ حتى إن كان ھذا الإنسان مسلما ولدیھ عدة شھادات من أرقى الجامعات
الإسلامیة، ھذا لا یعنیھم ولا یھمھم في شيء

ھم یرفضون كلامھ لمجرد أنھ یخالف آرائھم ومعتقداتھم ولیس لأنھ غیر متخصص أو حتى
غیر مسلم
بینما لو ھذا الإنسان قدم بحثا یوافق الموروث ویوافق معتقدات مئات الملایین من
المسلمین، سیتقبلون بحثھ ویؤیدونھ بشكل تلقائي
لن یسألھ أحد عن تخصصھ أو دیانتھ
ولن یشكك أحد في مصداقیتھ أو مؤھلاتھ
سیتقبلون ویؤیدون كلامھ لمجرد أنھ یوافق آرائھم ومعتقداتھم
أنا مثلا عندي العدید من المعارضین الذین یحاولون إبطال حججي بالھجوم على شخصي
وبالتشكیك في مؤھلاتي وشھاداتي وحتى في معتقداتي
على اعتبار أنھم بذلك یبطلون حججي وجدالاتي
ولكن المشكلة أنھ حتى لو قدمت لھم كل الشھادات وكل المؤھلات سیرفضون كلامي
حتى لو كانت لدي لحیة سیرفضون كلامي لمجرد أنھ لا یوافق آرائھم ومعتقداتھم
الموضوع لیس موضوع شھادات ولا مؤھلات... وإنما موضوع موافقة أو مخالفة الرأي
والاعتقاد
كل من یخالف آرائھم ومعتقداتھم یرفضون كلامھ حتى وإن كان رسولا من عند الخالق
وكل من وافق آرائھم ومعتقداتھم یقبلون كلامھ حتى وإن كان غیر متعلم وغیر مسلم
مصدر الجدل أو الفكر لا یؤثر على صحتھ أو عدم صحتھ
بمنتھى البساطة، عندما تتعرض لأي فكر أو جدل لا تتقبلھ بعمى مھما كان مصدره
بل حللھ وانتقده وادرسھ جیدا قبل أن تقرر صحتھ أو عدم صحته

الباحثة مجد خلف