آية مصيريّة تنفي وجود مهنة رجل الدين: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ==>ما جعل الله 1-أشخاصا يتوسّعون في الدّين و يضيفون فيه 2-و لم يهمل فيه شيئا 3-و لم يجعل صلة وصل بينه و بين الناس 4-ولم ينصّب أحدا لحماية الدّين و لكنّ المتكبّرين المنكرين يفترون الأكاذيب على الله وأكثرهم لايعقلون

إبن تومرت

 

 ابن تومرت

سياسي وداعية إسلامي عاش في المغرب الأقصى بين نهاية القرن الحادي عشر الميلادي والقرن الثاني عشر. يعتبر مؤسس الدولة الموحدية. اختلف المؤرخون في إسمه الكامل، فحسب ابن خلدون فهو محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال بن حمزة بن عيس بينما يعتقد مؤرخون آخرون (ابن رشيق وابن القطان) بأنه محمد بن تومرت بن تيطاوين بن سافلا بن مسيفون بن ايكديس بن خالد.

 

نبذة عن حياته

ولد ابن تومرت سنة 471،  ينتمي إلى قبيلة هرغة إحدى القبائل المصمودية المستقرة بالأطلس الصغير بمنطقة سوس الأقصى المغربية. اشتهر منذ صغره بالتقوى والورع.وقد امتاز بمواظبته على الدراسة والصلاة، إلى حد أنه اشتهر لدى قبيلته باسم"أسفو" أي المشعل . رحل إلى بلاد المشرق ليكمل تحصيله ويعمق معارفه في أهم المراكز العلمية هناك.ويزعم أنه التقى بأبي حامد الغزالي صاحب كتاب إحياء علوم الدين ثم رجع إلى المغرب. يقول عنه ابن خلدون: «بحرا متفجرا من العلم وشهابا واريا من الدين» فأثار الإعجاب بعلمه وورعه وتعلق به وبأفكاره كثير من الناس وعلى رأسهم "عبد المؤمن بن علي الكومي" الذي التقى بابن تومرت بقرية ملالة ففضل ملازمته واتباع نهجه وطريق مسيرته.

 

لقد ركز ابن تومرت دعوته في مواجهته لفقهاء المالكية على أسس دينية وأخلاقية واجتماعية وسياسية.

 

الأسس الدينية

كان محور أفكاره الدينية يرتكز على الدعوة إلى التوحيد، أي إثبات أن الله واحد، وبأن صفات الله من الأسماء الحسنى ليست إلا تأكيدا لوحدانيته المطلقة، ومن هنا اشتقت الدعوة الموحدية تسميتها. 

 

الأسس الأخلاقية

دعا ابن تومرت إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو بذلك يطبق أوامر الله ورسوله. فقد ورد عن النبي أنه قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". وقد كان ابن تومرت يغير المنكر بيده. فقد ورد في كتاب " المعجب " لعبد الواحد المراكشي أنه " وبينما هو في طريقه إذ رأى أخت أمير المسلمين (علي بن يوسف بن تاشفين) ومعها من الجواري الحسان عدة كثيرة، وهن مسفرات، أي كاشفات عن وجوههن، وكانت هذه عادة المرابطين (الملثمين)، يسفر نساؤهم ويلثم الرجال، فلما رآهن أنكر عليهن وأمرهن بستر وجوههن وضرب هو وأصحابه دوابهن فسقطت أخت أمير المسلمين عن دابتها."

 

الأسس السياسية

أنشأ ابن تومرت مؤسسات سياسية مستمدا تسميتها من السيرة النبوية وهي:

 

مجلس العشرة: على غرار صحابة الرسول العشرة ، من خيرة المساندين للحركة الموحدية. وتميز هؤلاء الأعضاء العشرة بالعلم والقدرة على القيادة وروح التضحية ومن أبرزهم عبد المؤمن بن علي.

مجلس الخمسين : وضم رؤساء خمسين قبيلة سباقة لمساندة الحركة الموحدية وهو مجلس ذو طابع استشاري.

جماعة الطلبة: دعاة الحركة في البدايةوالذين مارسوا فيما بعد التربية والنعليم والإدارة والجيش.

وقد أتاحت هذه التنظيمات تلقينا مذهبيا وسياسيا مكثفا للقبائل. واتضحت بواسطتها الأهداف السياسية للحركة الموحدية وهي الإطاحة بالحكم المرابطي.

 

وفي سنة 516هجرية/ 1122ميلادية بدأت المواجهة المسلحة بين أتباع ابن تومرت والجيش المرابطي الذي فشل في اقتحام أغمات.

 

وفي سنة 522 هجرية / 1128 ميلادية سارعت جموع الموحدين إلى النزول نحو سهل الحوز الحالي يقصد دخول مراكش عاصمة المرابطين.وتم حصار المدينة أربعين يوما، إلا أن الإمدادات العسكرية المرابطية تمكنت من ذلك الحصار وإلحاق الهزيمة بالجيش الموحدي في "معركة البحيرة" سنة 524 هـ/1130 م.وبذلك بينت هذه التجربة بأن هزيمة المرابطين تتطلب وقتا أطول واستعدادات أكبر.

 

مؤلفاته

فهي كما عدها الدكتور عبد الغني أبو العزم محقق كتاب "أعز ما يطلب"، والتي وجدها في كتاب الموطأ، منها:

 

العقيدة المرشدة.

أعز ما يطلب.

كتاب الطهارة.

اختصار مسلم الصغير.

كتاب الغلول.

كتاب تحريم الخمر.

الكلام على العبادة.

الكلام في العلم.

كتاب أدلة الشرع.

الكلام في العموم والخصوص.

المعلومات.

المحدث.

القواعد.

الإمامة.

العقيدة الكبرى.

توحيد الباري.

تسبيح الباري.

تسبيح آخر للباري.

ما ذكر في غربة الإسلام في أول الزمان وغربته في آخره.

 

وفاته

توفي ابن تومرت في 13 رمضان 524 ه

 

المراجع

معلمة المغرب، إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر

دور المهدي بن تومرت في نشر الأشعرية بالمغرب مركز أبي حسن الأشعري نسخة محفوظة  على موقع واي باك مشين.

ابن خلدون، المقدمة

تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون

الدكتور عبد الغني أبو العزم محقق كتاب "أعز ما يطلب"

 

 

ولد ابن تومرت المهدي عام 473هـ وتوفي عام 524هـ. كان فقيها مغربيا، عاش في ذات الفترة التي حكم فيها السلاجقة بغداد.

… حتى يكتسب مشروعيته العلمية كداعية أو فقيه، راح في رحلة إلى المشرق، مهد الإسلام، ليدرس هناك، حيث التقى بكثير من علماء العقيدة الذين تتلمذ على أيديهم لما يناهز 10 سنوات.

هناك حديث عن لقاء جمعه بالغزالي، كما يذكر ابن خلدون، لكنه غير مؤكد في جل المراجع التاريخية. ربما يكون هذا اللقاء المزعوم مختلقا لتعزيز مكانته الروحية وإغناء رحلته المشرقية.

أما الثابت، فكونه تشبع بروح مدرسة الغزالي ، إذ التقى بعلماء يحملون عقيدة هذه المدرسة الأشعرية ويجيدون توظيفها السياسي… ما يهمنا، أن هذه الرحلة المشرقية كونت مفهوم ابن تومرت للسّنة.

في رحلته، ذهب ابن تومرت حاملا لِهَمّ الخلافات والتفككات والتهديدات التي يغرق فيها المغرب. من هنا، فكر في مشروع “إنقاذي” كبير… في تأسيس دولة بالمغرب.

مشروع توحيدي يتطلب ابتكار فهم واحد للإسلام والعقيدة والسنة، يجمع جميع المسلمين… أو كما تقول نظرية ابن خلدون: تقوم الدولة على العصبية القبلية والعقيدة الواحدة.

ابن تومرت، كما يشخصه الحافظ الذهبي في “العبر في خبر من غبر”، كانت “لذته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، ولكن جره إقدامه وجرأته إلى حب الرياسة والظهور، وارتكاب المحظور”.

العدو الداخلي لابن تومرت كان المرابطين من جهة، والفقهاء المالكيين من جهة أخرى إذ ينازعونه مشروعية السّنة نفسها.

في تلك الفترة، كان المذهب المالكي مسيطرا. لذا، سيحتاج ابن تومرت إلى صناعة نصوص تكفيرية متوحشة على مقاس عدوه.

هكذا، سيعلن عقيدة متشددة فيما يخص التعالي الرباني والتوحيد الإلهي،

وسيبلور مفهوما احتكاريا للتوحيد، حد أن أطلق على جماعته “الموحدون”، بوصفها الجماعة التي تعتنق التوحيد الصحيح.

من هنا، سيصبح ابن تومرت أحد منتجي نصوص التوحش!

بدأ ابن تومرت بتحديد الإيمان الصحيح. بناء عليه، شرع في دعوته وخاض مناكفته للدولة المرابطية موظفا مفهومه للسنة والألوهية توظيفا سياسيا.

هذا المفهوم والتوظيف سيبلوره عبر خطبه ورسائله وكتبه ومناظراته، التي ستجمع حين تتمكن دعوته من تكوين دولة، في كتاب أطلق عليه “أعز ما يطلب”

“أعز ما يطلب” كان دستور الدولة الموحدية. هذا الكتاب، فيما اعتقد هؤلاء، كان يضم المفهوم الصحيح للسنة والألوهية، وللعقيدة التي ستوحد الأمة، وكان يطلب من الجميع دراسته وحفظه ونشره.

ترك ابن تومرت لجماعته هذا الكتاب إرثا وخارطة طريق ثم توفي. لم يكن قد حقق انتصارات سياسية بعد، لكن عبد المؤمن بن علي الكومي، وهو أحد تلامذته، سيأخذ عنه المشعل ليحققها فيما بعد.

يضم “أعز ما يطلب” نصوصا تكفيرية متوحشة، وضعت منهاجا للدولة الموحدية في التعامل مع المختلفين معها، حيث سنجد شرعنة للقتل وسفك الدماء، الذي اتبعته الدولة ضد خصومها.

مثلا، عرف المرابطون بعادات قبلية وثقافية كانوا يغطون من خلالها وجوههم، وقيل لتلافي غبار الصحراء. أيا يكون السبب، أعطى ابن تومرت لهذه الممارسة الثقافية حكما دينيا، اعتبر فيه المرابطين كفارا لأنهم يتشبهون بالنساء.

بدل أن يفهم ابن تومرت العادات والتقاليد الخاصة بالمرابطين على أنها علامة ثقافية تميزهم، نجده يخرجها تخريجات تضعهم في باب الكفر، ويؤولها كخروج عن السنة والإسلام، ومن ثم يجب قتلهم

هكذا، في حين يقدم ابن تومرت كتابه بوصفه فاتحا لأبواب العلم الذي يجعله الله سبب الهداية إلى كل خير (أعز ما يطلب)، كان كتابه في الحقيقة يفتح أبواب جهنم على المرابطين.

مما يدل على ذلك، عناوين أبواب كتابه: “في وجوب بغضهم ومعاداتهم على باطلهم وظلمهم”، “في وجوب جهادهم على الكفر والتجسيم وإنكار الحق واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم”، “في وجوب جهاد من ضيع السنة ومنع الفرائض”، “في وجوب جهادهم على ارتكاب المناكر والفجور وتماديهم على ما لا يؤمرون به”.

يستعمل في ذلك، بالمناسبة، الكثير من الآيات والأحاديث ليدخل المرابطين في قوائم الزيغ والضلال والكفر، على نحو يصل إلى حد التضحية بقواعد نصوصها واضحة.

مثلا، تأويله نص “إن من قال لا إله إلا الله فقد عصم ماله ونفسه”؛ بحيث عوض أن يكون نصا يحمي الآخرين، يستحيل إلى نص يبيح قتلهم.

من هنا، يتحول الخلاف العقائدي إلى تكفير… ثم إلى تقتيل.

جدير بالذكر أنه في مقابل خطاب ابن تومرت التكفيري، شن فقهاء المالكية حملة شعواء ضد الموحدين، واعتبروهم من الخوارج بسبب عنفهم وخطابهم التكفيري لأهل السنة.

الذي يهمنا أنه بسبب هذا النص المتوحش، قتل الآلاف “حتى انتن البلد من ريح الموتى”، كما يصف ذلك ابن الأثير في قصة ذات صلة يوردها في “الكامل في التاريخ”.

أكثر من هذا النص، يقول الحافظ الذهبي في “تاريخ الإسلام”: “وكان في وصيته (ابن تومرت) إلى قوم إذا ظفروا بمرابط أو أحد من تلمسان أن يحرقوه”!

عنف هذه النزعة التكفيرية لم يخف إلا بعدما استتب الأمر للدولة الموحدية، وقام عبد المؤمن بتحوير مدلول التوحيد، بحيث أصبح موحدا كل من أعلن ولاءه السياسي للدولة الموحدية.

من المفارقات الغريبة أن ابن تيمية وتلميذه الذهبي يستنكران على ابن تومرت ودولته، سفك دماء المسلمين، وهما اللذان بعدما جاءا بعد وفاة ابن تومرت بأكثر من 130 عاما، أنتجا نصوصا أكثر توحشا.

الذي حدث أن ابن تومرت كان ينفي صفات البشر عن الله (السمع، البصر…)، وابن تيمية يؤمن بها… اختلاف كاف للوسم بالكفر لدى هؤلاء!

 

مقال منقول عن مرايانا