كهنة السلاطين - الخلافة و الدين
سرّ العلاقة بين السلاطين و الفقهاء
على مر العصور والأزمان كانت العلاقة بين السلاطين و الفقهاء
يطغى عليها مبدأ النفعية
من خلال تبادل المصالح بين الطرفين.
ففي الوقت الذي كان فيه الفقهاء يزكون الحكام
لإضفاء الشرعية على علاقة الحاكم بالمحكوم
نجد في المقابل إعطاء القيمة المجتمعية للفقهاء بإعتبارهم ورثة الأنبياء
حيث يذهب الأمر في بعض الأحيان إلى غاية قدسية الفتاوي الصادرة عنهم.
وسنعمل من خلال هذه المادة
تسليط الضوء على هاته العلاقة المبنية في جوهرها على مبدأ رابح/رابح.
كما سنحاول مقاربة أوجه إستفادة كل طرف
في علاقته بالطرف الآخر.
ومن خلال تتبع جوهر العلاقة التاريخية بين السلاطين والفقهاء
نرصد حماية الفقهاء للسلطان مستغلين سلطتهم الدينية (الروحية) على الناس.
في المقابل يستفيدون من حماية السلاطين.
فيما تسمّى هذه العلاقة ب: رابح-رابح"WIN-WIN".
ومن المفارقات الغريبة، إعطاء الحكام للفقهاء الإذن بإعتلاء رتبة "علماء"،
هذا في الوقت الذي لايتوفرون فيه على أدنى تكوين علمي حقيقي
غير حفظ القرآن وبعض الأحاديث.
لم يقف الفقهاء عند هذا الحد
بل أضافوا أوصاف أخرى برعاية من ذوي السلطان
تساعدهم على التأثير بشكل أقوى على مجتمع مشغول بالحياة اليوميّة.
من بينها
- العلماء ورثة الأنبياء
- لحوم العلماء مسمومة
- العلماء ظلّ الله في الأرض
وقد حظي الفقهاء المتعاونون مع السلاطين بحياة الرفاهية
وفي المقابل تم عقاب أولائك الذين خوّلت لهم أنفسهم معارضة قرارات الحكام.
ويشهد التاريخ الإسلامي على تطور هاته العلاقة الجدلية بين الطرفين
والتي نتج عنها صناعة الحديث كما بات يعرف لشيوخ السلاطين في العهد الأموي و العبّاسي(نمودجا)
حيث ظهرت أحاديث نسبت إلى النبيّ من أجل إعطائهم تزكيّة و قوّة أكبر.
و تزخر كتب التاريخ بوقائع لفقهاء كان دورهم تحقيق إرادة الحاكم بإسم الدين
ف "عبد الملك بن مروان" كان فقيها لكن عندما تولّى الخلافة رمى القرآن
ثمّ قال: "هذا آخر عهدي معك و الّذي ينصحني بتقوى الله أذبحه".
في عهد "يزيد بن معاوية" أصدر الفقهاء فتوى بأنّ الخليفة لا يحاسب و يدخل الجنّة مباشرة
الشيء الذي أعطاهم سلطة كبيرة مكّنتهم من فعل أيّ شيء وكل شئ
كدخول المدينة معقل أسرة الرسول وقتل رجالها و إغتصاب نسائها على مدى 10 أيام.
ويبقى الموروث الديني الإسلامي الذي نعيشه اليوم
نتاج الفترة العباسية، حيث تم رسم أساساته الأولى
في ذلك العهد حيث إرتكز مدح الشيوخ للسلاطين.
وقد سجل عبر حقب التاريخ الإسلامي محابات ومدح للسلاطين من طرف فقهاء زمانهم:
- هارون الرشيد: كأنّك من بعد الرسول رسول
- أبو جعفر المنصور: السلطان هو حبل الله المتين و عروته الوتقى
- المتوكّل: ظلّ الله الممدود بينه و بين خلقه
- المعزّ: مدحه إبن الهاني الأندلي في شعره
ما شِأتَ إلا ما شاءت الأقدار- فأحكم فأنت الواحد القهّار
و كأنّك أنت النبيّ محمّد - و كأنّ أنصارك هم الأنصار
- الشيخ الشعراوي مدح الملك فؤاد و الملك فاروق و أنور السادات
مدح الملك فهد وقال عنه ظلّ الله في الارض و قال له : المقدّسات زادت بك شموخا
وفي شق أخر لجأ السلاطين لفتاوي الفقهاء لإخراجهم من المآزق وإضفاء الشرعية على قراراتهم
- في عهد هارون الرشيد
1- أعجب بجارية إبن عمّه فإستدعى المفتي ليحلّ له الأمر لأنّ إبن عمه حلف أن لا يهديها ولا يبيعها له،
فتدخّل المفتي الفقيه الشهير أبو يوسف سيف بفتوى تقول : نصفها يباع و نصفها الآخر يهدى
2- كان عبد الله العلوي يشكّل خطرا على حكم هارون الرشيد حتّى أنّه كان يفكّر بالإنفصال عنه
فما كان لهارون الرشيد إلا أن يمضي له عهدا بالأمان في وثيقة رسمية مختومة بختمه مع الأعيان
فلمّا جاء عنده , نادى مفتيا ليجد له طريقة شرعية إسلامية لقتله و التخلّص منه
فأفتى له ما أحبّ و عيّنه بعد ذلك قاضي القضاة
3- المتوكّل كان من محبّي الصيد و كان يرافقه أحد الشيوخ
فقال له بعد أن أخطأ في التصويب على الطائر
أحسنت يا مولاي أجابه المتوكّل قائلا
أتستهزأ بي؟ فأجابه الفقيه: لقد أحسنت له !!!
4- سيد قطب مع عبد الناصر سنة 1952
أفتى بإعدام عاملين مصريين كانا من بين المضربين عن العمل للمطالبة للزيادة في الأجور.
لكن سيد قطب تمادى في فتاويه لاحقا فكفّر الحاكم و المجتمع
5- القرضاوي : انتخاب مرسي سيرضي الله و من لا يختاره آثم لأنّه سيقيم العدل في الأرض
6- الشيخ عبد العزيز الرّسّ
الحاكم وليّ الأمر يجب إطاعته و لو زنا و شرب و لاط أمام الملأ و يتوجّب الدّفاع عنه ولو بالكذب
ومن الفتاوي التي إعتمد عليها فقهاء/السلطان لإضفاء الشرعية الدينية على تصرفات و قرارات الحكام:
1- طاعة الأمير واجبة حتّي و لو ضربك و أخد مالك
2- الصبر واجب حتّى و لو كرهت من الأمير شيئا
3- السلطان ظلّ الله في الأرض فمن أكرمه أكرمه الله
ومن سوّلت له نفسه إهانته فإنّ الله سوف يهينه
4- لا تسبّوا الولاة فإن أحسنوا لهم الأجر و عليكم الشكر , و إن أساؤوا عليهم الوذر و عليكم الصبر
و في الأخير، فقد كان نتاج هذا الحلف بين السلطان و شيوخ السلطان
إستبدادهم و إنتشار الظلم على نطاق واسع وصل إلى حد القتل إذا إقتظت الظرورة ذلك.