آية مصيريّة تنفي وجود مهنة رجل الدين: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ==>ما جعل الله 1-أشخاصا يتوسّعون في الدّين و يضيفون فيه 2-و لم يهمل فيه شيئا 3-و لم يجعل صلة وصل بينه و بين الناس 4-ولم ينصّب أحدا لحماية الدّين و لكنّ المتكبّرين المنكرين يفترون الأكاذيب على الله وأكثرهم لايعقلون

الله و رسوله

مقال للباحث كمال الغازي

ورد تعبير "الله ورسوله" في التنزيل الحكيم، اربعا وثلاثين مرة

وفي عشر ايات

تعامل فيها التنزيل الحكيم مع هذا التعبير كواحد 

وارجع عليها ضمير المفرد

1- كقوله تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ

مع ان المفروض، ان يعود عليها بضمير المثنى

لان الله ورسوله، اثنان، وليسا واحدا…

فالمفروض ان يقول وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُما

اذ ان المرء، يمكنه ان يتولى عن الله

ويمكنه ان يتولى عن رسول الله

فلماذا اعتبرت الاية الله ورسوله واحدا؟

واذا اعتبرنا كلمة رسول في هذا التعبير

هي محمد بن عبد الله

فان الله ورسوله، هما كيانان مختلفان

لان الله كيان، ليس كمثله شيء

والرسول، بشر مثلنا

ولا يمكن بحال، ان نجعلهما وحدة واحدة

الا اذا كانت مفردة رسول، لها معنى آخر

يمكن من خلاله ان تشكل مع الله، وحدة منسجمة…

 

2-  وكذلك في قوله تعالى

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ…

نلاحظ هنا ان الله ورسوله، مفرد ايضا

اذ قال يُدْخِلْهُ، مع ان المفروض ان يقول يُدْخِلَاهُ

وكان من الممكن ان يقول وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ "يَدْخُل" جَنَّاتٍ…

ولكنه اعاد الضمير الغائب المفرد على الله ورسوله

للتاكيد على انهما وحدة واحدة…

 

3- وفي الاية التي بعدها قال الحق تعالى

وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ

يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ…

نلاحظ انه قال وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ

مع ان المفروض ان يقول وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُمَا

الا اذا كان الله ورسوله وحدة واحدة…

 

4- وكذلك قوله تعالى

وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ

لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ

إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48)

وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)

أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ

بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ

لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ

أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)

وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ

فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ …

نلاحظ هنا كذلك، انه قال في الاية 48

لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ولم يقل لِيَحْكُمَا بَيْنَهُمْ…

معتبرا الله ورسوله، كوحدة واحدة…

مع انه في الاية التي بعدها قال

أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

فجعل حيف الله، الذي يظنه، الذين في قلوبهم مرض

غير حيف الرسول

اذ لم يقل أَن يَحِيفَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ عَلَيْهِمْ…

بل جعل مفردة عليهم، فاصلا بين الله ورسوله…

وهو هنا يتكلم من منظور الذين في قلوبهم مرض

الذين يظنون ان الله قد يحيف عليهم بالوحي

فيكون هذا حيف الله

او ان الرسول قد يحيف عليهم بتغيير الوحي

فيكون ذلك حيف الرسول…

ولذلك جعل الحيفين مختلفين

وهو هنا يجعل الله كيانا مستقلا عن الرسول

طبعاً…ثم عاد ليجعل الله ورسوله، واحدا

في الاية 51، في قوله: لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ…

هذه الاية تشير اشارة قوية

الى ان مجيء مفردتي الله ورسوله، مجتمعتين

ليس امرا اعتباطيا كما يظن اهل الاعتباط…

بل هي تشير الى ان الله ورسوله، وحدة واحدة منسجمة…

 

5-  وكذلك قوله تعالى

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ

قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ

وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ…

قال لَا يَلِتْكُم، ولم يقل لَا يَلِتاكُم

واعتبر الله ورسوله وحدة واحدة، مرة اخرى…

 

6-  وقال تعالى

لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ

وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ

وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا…

نلاحظ هنا ايضا انه اعتبر الله ورسوله وحدة واحدة منسجمة…

واعاد ضمير المفرد الغائب، على الله ورسوله…

 

7- وكذلك قوله تعالى

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ

وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا

وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا

أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ

وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ

فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ

وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}

(24) سورة التوبة.

قال وجهاد في سبيله ولم يقل وجهاد في سبيلهما

 

8- وقوله تعالى

لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ

وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)

سورة الفتح

قال وتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ، ولَم يقل وتعزروهما وتوقروهما

 

8- وقوله سبحانه

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ

وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ

إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)

سورة التوبة.

لم يقل والله ورسوله احق ان يرضوهما

والحقيقة، ان مفردة رسول

لا تعني فقط، المكلف بالرسالة…

بل تعني الرسالة كذلك…

 

جاء في لسان العرب:

"والرَّسول. الرِّسالة والمُرْسَل

 

وأَنشد الجوهري في الرسول الرِّسالة للأَسعر الجُعفي

أَلا أَبْلِغ أَبا عمرو رَسُولاً

بأَني عن فُتاحتكم غَنِيُّ

عن فُتاحتكم أَي حُكْمكم

 

ومثله لعباس بن مِرْداس

أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عني خُفافاً رَسُولاً،

بَيْتُ أَهلك مُنْتهاها

فأَتت الرَّسول حيث كان بمعنى الرِّسالة

 

ومنه قول كثيِّر

لقد كَذَب الواشُون ما بُحتُ عندهم بسِرٍّ

ولا أَرْسَلْتهم برَسُول

 

وفي التنزيل العزيز

إِنَّا رَسُول رب العالمين

وقال أَبو إِسحق النحوي في قوله عز وجل

حكاية عن موسى وأَخيه

فقُولا إِنَّا رسول رب العالمين

معناه إِنا رِسالة رَبّ العالمين

أَي ذَوَا رِسالة رب العالمين

 

وأَنشد هو أَو غيره

… ما فُهْتُ عندهم بسِرٍّ ولا أَرسلتهم برَسول

أَراد ولا أَرسلتهم برِسالة

 

قال الأَزهري

وهذا قول الأَخفش.

 

وسُمِّي الرَّسول رسولاً

لأَنه ذو رَسُول أَي ذو رِسالة.

والرَّسول: اسم من أَرسلت، وكذلك الرِّسالة."

انتهى الاقتباس

 

كما يتضح جليا

فان الرسول لا تعني المكلف بالرسالة فقط

بل تعني الرسالة، كذلك…

واذا كان ذلك كذلك

فان تعبير الله ورسوله

بمعنى الله ورسالته

لا يطرح اشكالا في جعلهما

وحدة واحدة متجانسة منسجمة

اذ ان ما يقوله الله هو ما تقوله رسالته

وحكم الله هو حكم رسالته

ولا مجال، ان نعرف قول الله او حكمه، دون رسالته…

وبالتالي، فإن ارجاع ضمير المفرد الغائب

عليهما معاً، منطقي ومعقول…

لان الله هو صاحب الرسالة

فالله ورسالته واحد

لان رسالته، هي كلامه الصادر عنه سبحانه

وتعبر عما يريده للناس…

اما الله ورسوله بمعنى الله ونبيه

فلا يمكن اعتبارهما وحدة واحدة منسجمة

للاسباب التي ذكرنا اعلاه…

واذا كان الرسول، هو النبي في كل ايات التنزيل الحكيم

فاننا نسأل، لماذا غير الوحي

كلمة النبي الى كلمة الرسول في هذه الاية من سورة الاحزاب

مع ان الاية التي قبلها ذكر فيها النبي

والتي بعدها كذلك

قال تعالى

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا

فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)

وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ

فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ

يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ

وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا …

لماذا لم يقل وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَنَبِيَّه

مع ان السياق يتحدث عن النبي

قبل الاية وبعدها؟

ثم، اذا كان المقصود بقوله الله ورسوله

اي الله ونبيه

فكيف تكون ارادة الله ونبيه

على النقيض من ارادة الحياة الدنيا وزينتها

حتى يخير الله ازواج النبي، بين الامرين؟!

هل الله ونبيه ضد الحياة الدنيا وزينتها؟

طبعا، لا…

بل المقصود بالله ورسوله، الله ورسالته

والله ورسالته، حَكَمَ، بأن الازواج اللواتي يردن الحياة الدنيا وزينتها

فعلى النبي ان يسرحهن…

هذا هو حُكم الله ورسالته…

لذلك، فان اللواتي تردن الله ورسوله اي ورسالته

بمعنى تردن تطبيق الرسالة وخدمتها

فعليهن الاختيار بين الحياة الدنيا وزينتها

وبالتالي التسريح من النبي، وبين البقاء ازواجا للنبي…

واذا كنَّ تردن تطبيق الرسالة فانهن بالتالي تردن الدار الاخرة

حيث اعد الله للمحسنات منهن اجرا عظيما…

وقد تطرقنا لهذه الايات في سلسلة زيد

وسلسلة سورة الاحزاب، لمن يرغب في المزيد عنها…