أبو علاء المعرّي
حكم المعري
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى قيل إني جاهل
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص
ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل
- وقد فتشتُ عن أصحاب دين * لهم نُسْك وليس لهم رياء..
فألفيتُ البهائم لا عقول * تقيم لها الدليل ولا ضياء..
وإخوان الفطانة في اختيال * كأنهمُ لقوم أنبياء..
فأما هؤلاء فأهل مكر * وأما الأولون فأغبياء..
فإن كان التُّقَى بَلَها وعِيّا * فأعيار المذلة أتقياء..
مّا اليَقين فلا يَقـــين وإنّمَا -- أقصَى اجتهادي أن أظُنَ وأحدِسَا
- فصلى الله على محمد فقد رُوي عنه أنه قال"بعثت بالسيف ،والخير في السيف،والخير بالسيف".
وفي حديث آخر "لاتزال أمتي بخير ما حملت السيوف"والسيف حمل "صالحا "على التصديق ،ورده عن رأي الزنديق.
وتلك آية من آيات الله إذا هي ظهرت للنفس الكافرة،فقد فني لا ريب زمانُها ولا يقبل هناك إيمانها "لم تكن آمنت من قبل" وللسفه طل ووبل
- الدهر كالدهر والأيام واحدة ... والناس كالناس والدنيا لمن غلبا
- فشاور العقل واترك غيره هدرا ... فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي
- في كل أمرك تقليدٌ رضيتَ به ... حتى مقالك ربي واحدٌ أحدُ
- وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوّده أبوه
- اثنان كثيرا ما وجدا فى الحياة ..
أحدهم رجل ذكى دون دين ، والاخر متدين دون فكر .
- وجدت الناس كلهم فقير .. ويعدم فى الانام الأغنياء ، تحب العيش بغضا للمنايا .. ونحن بما هوينا الاشقياء .
- أن اثمر الغصن ، فامتدت إليه يد تجنيه ظلما ، فليت الغصن مقصوف .
- اذا مر اعمى فارحموه وايقنوا وان لم تكفو ، أن كلكم اعمى .
- خصاؤك خير من زواجك حره ، فكيف إذا أصبحت زوجا لموميس ؟!
- اين بقراط ، والمقلد جالينوس ؟ هيهات أن يعيش طبيب .
- كذب الظن لا أمام سوى العقل مشيرا فى صبحه والمساء .
- اذا سالوا عن مذهبى فهو بين .. وهل انا الا مثل غيرى ابلة .
- لا ذنب يارب السماء على امرئ .. رأى منك ما لا يشتهى فتزندقا .
- أليس ابوكم ادم أن عزيتم .. يكون سليلا للتراب اذا عزى ؟
- احمد الله على العمى كما يحمده غيرى على البصر
1) أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، شاعر وفيلسوف ولغوي وأديب عربي من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في محافظة إدلب وإليها يُنسب. لُقب بـرهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.
كان المعري من المشككين في معتقداته، ووصف بعض الأديان بأنها "خرافة ابتدعها القدماء ولا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الناس"! ولذلك وصفة بالزندقة والكفر العديد من شيوخ الإسلام.
نشأته
ولد المعري في معرة النعمان (في سوريا حالياً، ينتمي لعائلة بني سليمان، والتي بدورها تنتمي لقبيلة تنوخ، جده الأعظم كان أول قاضٍ في المدينة، وقد عرف بعض أعضاء عائلة بني سليمان بالشعر، فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري.. بدأ يقرأ الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب وأنطاكية[؟] ، وغيرها من المدن السورية. فدرس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر على نفر من أهله، وفيهم القضاة والفقهاء والشعراء، وقرأ النحو في حلب على أصحاب ابن خالويه، ويدل شعره ونثره على أنه كان عالماً بالأديان والمذاهب وفي عقائد الفرق، وكان آية في معرفة التاريخ والأخبار. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. أخذ المعري النحو وشعر المتنبي عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي. وهو أحد رواة شعر المتنبي.
وزاول مهنة الشاعر والفيلسوف والمفكر الحر. حيث سافر المعري إلى وسط بغداد لفترة، حيث جمع عدداً كبيراً من التلاميذ الذكور والإناث للاستماع إلى محاضراته عن الشعر والنحو والعقلانية. وإحدى الموضوعات المتكررة في فلسفته كانت حقوق العقل (المنطق) ضد ادعاءات العادات والتقاليد والسلطة.
كان على جانب عظيم من الذكاء والفهم وحدة الذهن والحفظ وتوقد الخاطر، وسافر في أواخر سنة 398 هـ 1007م إلى بغداد فزار دور كتبها وقابل علماءها. وعاد إلى معرة النعمان سنة 400 هـ 1009م، وشرع في التأليف والتصنيف ملازماً بيته، وكان اسم كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم.
وقد كان عزم على اعتزاله الناسَ وهو في بغداد، خصوصاً بعد أن ورد إليه خبر وفاة والده، وقدد عزز فكرة ذهابه عن بغداد أنه رأى تنافس العلماء والرؤساء على الجاه، وتيقن "أن الدنيا كما هي مفطورة على الشرور والدواهي" وقال ذات مرة "وأنا وحشي الغريزة، أنسي الولادة"
وكتب إلى خاله أبي القاسم قبل قبيل منصرفه من بغداد "ولما فاتني المقام بحيث اخترتُ، أجمعت على انفراد يجلعني كالظبي في الكناس، ويقطع ما بيني وبين الناس إلا من وصلني الله به وصل الذراع باليد، والليلة بالغد" وقال بعد اعتزاله بفترة طويلة "لزمت مسكني منذ سنة أربعمائة، واجتهدت على أن أُتوفى على تسبيح الله وتحميده"
عاش المعري بعد اعتزاله زاهداً في الدنيا، معرضاً عن لذاتها، لا يأكل لحم الحيوان حتى قيل أنه لم يأكل اللحم 45 سنة، ولا ما ينتجه من سمن ولبن أو بيض وعسل، ولا يلبس من الثياب إلا الخشن. حتى توفي عن عمر يناهز 86 عاماً، ودفن في منزله بمعرة النعمان.
وقد جمعت أخباره مما كتبه المؤرخون وأصحاب السير في كتاب بإشراف الدكتور طه حسين بعنوان "تعريف القدماء بأبي العلاء
شيوخ أبي العلاء المعرّي وتعليمه
تلقّى المعري بداية تعليمه على يد والده كما سبق ذكره، وقيل إنّه نظم الشعر ولم يتجاوز الحادية عشرة من العمر، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى حلب لطلب المزيد من علوم اللغة وآدابها، وهناك التقى نخبة من العلماء الذين تتلمذوا على يد ابن خالويه، ومنهم: محمد بن عبدالله بن سعد النحوي الذي أخذ منه شعر المتنبي، ويحيى بن مسعر الذي أخذ منه اليسير من علوم السنة، وتنقّل بعد ذلك بين طرابلس واللاذقيّة وأنطاكيّة من أجل الاستزادة من العلم، وفي عام 383 هجري عاد مرةً أخرى إلى بلدته، وظلّ فيها خمسة عشر عاماً إلى أن قرر السفر إلى بغداد عام 398 للهجرة، وفي هذه الفترة لم يأخذ المعري علمه من أحد.
مؤلفات أبي العلاء المعرّي
كان أبو العلاء المعري معروفاً بغزارة تأليفه؛ فألّف في الشعر، وعلوم القرآن، والزهد، والوعظ، واللغة، والفلسفة، والنحو، والقواقي، والعروض، والألغاز، إلا أنّ الأكثريّة كانت في نظم الشعر، وكان إنتاجه الشعري والأدبي ما يقارب مئتي كتاب ورسالة، ما بين نقدٍ وإبداع؛ غيّر أنّ هذا التراث الوفير من المؤلفات ضاع ولم يبقَ منه إلا القليل، وكانت هناك عوامل عدّة ساعدت في إيجاد هذا الكمْ الهائل من التأليف عند المعري، ومنها: القدرة العقليّة الفذّة، والسرعة النادرة في الحفظ والفهم، واعتزال الناس والتفرغ للقراءة والبحث والكتابة، عدا عن الثقافة المتنوعة التي كانت بارزة بوضوحٍ وتجلِ في تراثه الأدبي العظيم؛ مما أهّله ليصبح من عظماء الأدباء عند العرب، وأن يتبوأ مكانة مرموقة بينهم ويصبح تراثه موضع اهتمام الدارسين في الشرق والغرب، ولقد تنوّع هذا التراث ما بين كتب، ودواوين شعريّة، ورسائل، وسوف نستعرضه فيما يلي
إقليد الغابات: هو كتاب اختزل فيه تفسير الألغاز التي جاءت في كتاب (الفصول والغايات).
الأيك والغصون: هو كتاب كبير تجاوز المئة جزء في الأدب، ويسمى أيضاً "الهمزة والردف".
تاج الحرّة: هو كتاب اختصّ بوعظ النساء.
خماسية الراح: هو كتاب جاء في ذمّ الخمر.
ذكرى حبيب: هو كتاب تناول بالشرح ديوان الشاعر أبي تمام.
راحة اللزوم: هو كتاب دوّن لشرح ديوان (لزوم ما لا يلزم).
الرياش المصطنعي: هو كتاب اختصّ بشرح ديوان الحماسة الرياشية.
ضوء السقط: هو كتاب اختص بشرح ديوان (سقط الزند)، تناول فيه المعري الألفاظ الغريبة؛ فقام بشرحها، وتبسيط معانيها، وجعلها قريبة من الأذهان.
عبث الوليد: هو كتاب تناول تعليق المعري على ديوان الشاعر البحتري.
الفصول والغايات: هو كتاب أظهر فيه المعري عظمة اللغة العربية، وتاريخها الأدبي حيث تجلّت في هذا الكتاب فصول أدبية بمستوى عالٍ في علم البلاغة والفصاحة، وكان لهذا الكتاب مدلولات تأملية إيمانية استمدها من بلاغة القرآن الكريم كان يهدف منها التمجيد والتعظيم للخالق تعالى.
اللامع العزيزي: هو كتاب تضمّن شرحاً لشعر أبي الطيب المتنبي.
ملقي السبيل: هو كتاب اشتمل على الكلام المنثور والمنظوم وتضمّن مواعظ كُتبت حسب حروف المعجم.
زجر النابح: هو عبارة عن كتاب مناظرات جرت بين المعري وخصومه ممن اتهموه بالكفر، وحاول المعري من خلال هذه المناظرات الرد عليهم، والدفاع عن نفسه، ودحض هذه التهم التي نسبت إليه.
مثقال النظم: هو كتاب تضمّن مادة العروض.
مجد الأنصار: هو كتاب تضمّن القوافي في الشعر.
دواوين الشعر
من أهم هذه الدواوين نذكرها فيما يأتي
استغفر واستغفري: هو ديوان من الشعر يحتوي على قرابة العشرة آلاف بيت.
الألغاز: ديوان شعري.
جامع الأوزان: هو ديوان من الشعر نُظم حسب معنى اللغز، وهو يحتوي على تسعة آلاف بيت.
سقط الزند: هو ديوان من الشعر نظمه المعري في بداية عمره، وفيه ظهرت براعة المعري في الشعر، وخاصة في قصائده الأولى.
لزوم ما لا يلزم: هو ديوان من الشعر نظمه المعري حسب حروف المعجم، وكان المقصود من هذه التسّميّة بيان أنّ الحرف الوارد في قافية القصيدة لو تغيّر لا يخل ذلك في موسيقى القصيدة، وبناءً على ذلك ذكر المعري في شعره الحرف بحركاته الأربعة، وهي: الضمة والفتحة والكسرة والسكون منظوماً.
الوفاة
عاش أبو العلاء المعري شيخوخته وهو ما زال في بيته، فأصاب جسمه الضعف والعجز، وأصبح غير قادرٍ على أداء صلاته قائماً، وقد مرض قبل وفاته بثلاثة أيام عن عمرٍ يناهز الثلاثة والثمانين عاماً، ودفن في المعرّة، وكان قد اجتمع على قبره ثمانون شاعراً يرثونه تعظيماً وتقديراً لدوره في الأدب. وردت روايات عدّة في تاريخ وفاته؛ حيث اتفقت هذه الروايات على أنّ وفاته كانت يوم الجمعة من شهر ربيع الأول للعام 449 للهجرة، بينما اختلفت هذه الروايات في تحديد التاريخ من هذا الشهر؛ فقيل إنّه الثاني وهذا ما ذكره ياقوت، أمّا ابن خلكان فقد جمع بين ثلاثة تواريخ ورجّح أن يكون المعري قد توفي في واحدة منها، وهذه التواريخ هي: الثاني أو الثالث أو الثالث عشرة من شهر ربيع الأول، وأيّده في هذا القول البغدادي، حيث قال إنّه توفي في الثالث عشرة من هذا الشهر، وثبت أنّ التاريخ الصحيح لوفاته كان يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول؛ لأنّ الثالث من هذا الشهر كان يوم السبت، أمّا الثالث عشرة فهو يوم الثلاثاء، وبهذا فإن التاريخ الصحيح لوفاة المعري هو يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول للعام 449 للهجرة.
المراجع
ديوان ابي العلاء المعري من بوابة الشعراء
نرجس توحيدي فر. أبو العلاء دراسة في معتقداته الدينية. دار صادر بيروت 2011.
عائشة عبدالرحمن. مع أبي العلاء في رحلة حياته. دار المعارف.
طه حسين. مع أبي العلاء في سجنه. دار المعارف. الطبعة الرابعة عشرة.
أبو العلاء المعري. اللزوميات. الجزء الاول
تجديد ذكرى أبي العلاء, طه حسين,
2) التعريف بأبي العلاء المعرّي
أبو العلاء المعرّي هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، شاعر وفيلسوف شهير، فقد بصره وهو ما زال في الرابعة من عمره نتيجة إصابته بمرض الجدري؛ إلا أنّ هذا الأمر لم يمنعه من تحصيل علمه، وخاصةً أنّه نشأ وتربى في بيتٍ كان محباً للعلم؛ فنظم الشعر مبكراً، وسافر إلى بغداد طلباً للعلم، وأصبح من أبرز الفلاسفة والشعراء العرب.
يعتبر المعرّي من أعظم فحول الشعر، وهو من الشخصيّات الفذّة والمتميزة في الأدب العربي؛ شكلّ انقلاباً على التقاليد الثقافية التي كانت سائدة في عصره، وكان مَنْ وضع هذه التقاليد ورسخها من سبقه من شعراء وأدباء العرب؛ فجاءت أشعاره تعبيراً عن تجاربه الخاصة، ومشاهداته في الحياة، وتأملاته في الوجود، وكان لهذه الأشعار دورٌ هام في رفعة شأن الأدب في الوقت الذي عمّ فيه الجهل، وانتشرت فيه الخرافات بين الناس.
كان المعري من المشككين في معتقداته، ووصف بعض الأديان بأنها "خرافة ابتدعها القدماء ولا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الناس"! ولذلك وصفة بالزندقة والكفر العديد من شيوخ الإسلام.
نسب أبي العلاء المعرّي
ورد في رواية ابن خلكان أنّ نسب أبي العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحرث بن ربيعة بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النعمان بن عدي بن غطَّفان بن عمرو بن بريح بن خُزَيمة بن تيْم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة التَّنوخيُّ المَعَرّيُّ؛ وتعتبر هذه الرواية من أدق الروايات في نسب أبي العلاء المعري مقارنةً مع غيرها من الروايات التي جاءت في كتب الأنساب؛ إذ كانت هنالك روايات أخرى مثل رواية ياقوت في "إرشاد الأريب" التي أسقطت بعض الأسماء، وخلتْ من الترتيب.
عُرف الجدّ الأكبر للمعرّي بقُضاعة بن مالك القحطاني من اليمن، وكان يكنى بأبي حيّ، وقيل إنّ قضاعة هو ابن معد بن عدنان، ومالك هو زوج أمّه، وكان الانتساب لزوج الأم في ذلك الوقت أمراً معتاداً عند العرب، وسُمّي قُضاعة لبقائه مع أمّه وانقطاعه عن قومه. أمّا التنوخي فهو ينسب إلى تنوخ؛ وهي قبيلة من قضاعة كانت تقيم في اليمن، وسبب تسميّتهم بهذا الاسم لأنهم اجتمعوا وسكنوا منطقة بالشام، وكان يُكنى بالمعري نسبة إلى بلدة معرّة النعمان التي تقع في سوريا؛ وهي تابعة لمدينة حمص الواقعة بين مدينتيّ حلب وحماة.
كان والد أبي العلاء المعرّي قد أطلق عليه كنيّة أبي العلاء، ولكنه اختار لنفسه لقباً آخر كان محبباً لديه، وهو (رهين المحبسين)؛ أي فقدان بصره، واعتزاله الناس ولزومه بيته. غيّر أنّه ما لبث أن أضاف سجناً ثالثاً، وهذا السجن هو نفسه المسجونة في جسمه المادي.
مولد ونشأة أبي العلاء المعرّي
ولد أبو العلاء المعري في يوم الجمعة من شهر ربيع الأول من عام 363 هجري، وفقد بصره نتيجة إصابته بالجدري في أوائل عام 367 هجري، وكان لا يعرف من الألوان إلا اللون الأحمر؛ لأنه ارتداه أثناء علاجه من مرض الجدري. وقد تعايش المعري مع وضعه الجديد، واعتبر فقدان البصر نعمة من النعم التي يحمد الله عليها؛ فكان يمارس حياته بشكلٍ طبيعي يلعب الشطرنج، ويشارك أقرانه في المناظرات الأدبيّة، سواءً كانت جديّة أم هزليّة، وترعرع المعري بالمعرّة مسقط رأسه، وتولى والده تعليمه اللغة والنحو وحفظ الحديث النبوي، وانتقل بعد ذلك إلى حلب، وتابع تعليمه النحوي محمد بن عبد الله بن سعد النحوي، ثمّ ارتحل إلى بغداد، وقابل هناك عبد السلام بن الحسين البصري وتزوّد من علمه.
شيوخ أبي العلاء المعرّي وتعليمه
تلقّى المعري بداية تعليمه على يد والده كما سبق ذكره، وقيل إنّه نظم الشعر ولم يتجاوز الحادية عشرة من العمر، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى حلب لطلب المزيد من علوم اللغة وآدابها، وهناك التقى نخبة من العلماء الذين تتلمذوا على يد ابن خالويه، ومنهم: محمد بن عبدالله بن سعد النحوي الذي أخذ منه شعر المتنبي، ويحيى بن مسعر الذي أخذ منه اليسير من علوم السنة، وتنقّل بعد ذلك بين طرابلس واللاذقيّة وأنطاكيّة من أجل الاستزادة من العلم، وفي عام 383 هجري عاد مرةً أخرى إلى بلدته، وظلّ فيها خمسة عشر عاماً إلى أن قرر السفر إلى بغداد عام 398 للهجرة، وفي هذه الفترة لم يأخذ المعري علمه من أحد.
سفر أبي العلاء المعرّي إلى بغداد
قرر أبو علاء المعري السفر إلى بغداد، ومكت فيها قرابة عام وسبعة أشهر طلباً للعلم والاستزادة منه، وتحمّل في سبيل ذلك الكثير من المشاق والصعاب، وكانت بغداد في تلك الفترة يحكمها العباسيون، وتشهد نهضة علمية واسعة، وازدهاراً في جميع حقول العلم والأدب؛ إذْ كانت تضمّ في أرجائها الكثير من الشعراء والأدباء، ويقصدها الفقهاء والمُحدّثين والفلاسفة والمتكلّمين، وكانت تزخر بدور العلم والمكتبات وحلقات الدرس، ومن الجدير بالذكر أن المؤرخين لم يذكروا إلا القليل عن الفترة التي عاشها المعري في بغداد، ومن الأخبار التي ذُكرت أنّه كان يقصد المكتبات المعروفة، وكان يشارك أيضاً في مجالس الأدب، ومما يدور فيها من مجادلات، ويتردد على المجمعيّ الفلسفي بدار عبد السلام البصري وسابور بن أردشير، وفي بغداد برزت موهبته النادرة في الحفظ؛ فكان يحفظ كل ما يصل إلى مسامعه، وعلى الرغم من أنّ نيّته كانت تتجه للإقامة في بغداد إلا أنّه لم يستحسن العيش فيها، فغادرها عائداً إلى بلدته المعرّة في أواخر شهر رمضان لعام 400 للهجرة.
في طريق عودته بلغه خبر وفاة والدته، فحزن عليها حزناً شديداً، وعبّر المعري عن هذا الحزن بشدة في قصائده الشعريّة، وفي معظم رسائله المنثورة، وكانت هذه الأشعار والرسائل خير من عبّر عن الحالة النفسية الصعبة التي كان يعيشها المعري في تلك الفترة.
عزلة أبي العلاء المعرّي
تعرّض أبو العلاء المعري لمصاعب عدّة في حياته كان أشدها تأثيراً على نفسه ما لحق به من مشاكل وأذى من الناس؛ مما جعله يمقت الحياة، ويتخذ قراراً بعد عودته من بغداد بلزوم بيته واعتزال الحياة، والتفرغ للتاليف والتصنيف، وبقي في عزلته هذه حتى مماته.
اجتمعت عوامل عدّة ساهمت في اتخاذ المعري لهذا القرار، ومنها: أنّ طبعه كان ميالاً إلى حبّ الوحدة، وفقده لبصره وهو صغيرٌ، ناهيك أيضاً عن فقده لوالديه في أصعب الأوقات والظروف، وما كان يعانيه من فقرٍ شديد، بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي تلقّاها من أهل بغداد، ورغم هذه العزلة إلا أنّ بيت المعري كان مقصداً لطالبي العلم بعد أن انتشرت شهرته العلمية في كل الأرجاء، ومن الجدير بالذكر أنّ المعري عاش في هذه العزلة زاهداً في الحياة؛ يلبس الخشن من الثياب، ويداوم على الصيام، ويمتنع عن تناول لحوم الحيوانات ومنتجاتها من لبنٍ وبيض ليس تديناً إنما اعتقاداً منه أنه بذلك يجنبها الألم عند الذبح.
تلاميذ أبي العلاء المعرّي
تتلمذ على يديّ أبي العلاء المعري، في المعرّة وبغداد، الكثير من الأدباء والعلماء المعروفين نذكر منهم ما يلي:
أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأبهري.
الخليل بن عبد الجبار القزويني.
أبو تمام غالب بن عيسى الأنصاري.
محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري.
أبو القاسم علي بن المحسن بن التنوخي.
أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي.
ذكاء أبي العلاء المعرّي وسعة علمه
عُرف أبو العلاء المعري بشدّة ذكائه، وموهبته الفريدة في الحفظ والفهم؛ فكان يحفظ كل ما يسمعه دون أن ينسى شيئاً، وقد ساهم هذا النبوغ في غزارة علمه؛ وضلوعه في الأدب واللغة والنحو والصرف؛ إلى الحدّ الذي اعتبر أعجوبة زمانه في اللغة وفي حفظ شواهدها، وقيل عنه أيضاً إنّه اللغوي الوحيد بالمشرق في ذلك الوقت.
موقف أبي العلاء المعرّي من العقل
اعتمد أبو العلاء المعري في مؤلفاته على التنوع في الموضوعات، فكان منهجه شمولياً في التأليف، وكانت فلسفة المعري ونظرته للحياة ظاهرة بقوة في هذه الموضوعات، بحيث استند في هذا التنوع الفكري على ثقافة واسعة ومتنوعة؛ فعندما بلغ السابعة والثلاثين من عمره اختار لنفسه العزلة كمنهج حياة، وجاء هذا القرار بعد مدة طويلة من التفكير العميق، وأراد منه المعري الناي بنفسه عن معاركة الحياة والناس، لأنّ الاختلاط مع الناس -حسب رأيه- يؤدي إلى إفساد العقل وتشويهه بما يعتقده هؤلاء الناس، وذهب في نظرته المثاليّة للحياة والوجود إلى أبعد من هذا؛ وذلك عندما اعتبر أنّ هذه الأجسام التي تسكنها النفس البشرية سجناً لها، وأنّ الوجود الحقيقي في الحياة هو الوجود الروحي؛ لأنّ باعتقاده أنّ المشاكل التي يتعرض لها الإنسان في حياته حدثت بسبب توحّد الجسد بالروح؛ ولهذا يرى أنّ العزلة أفضل سبيل للنجاة في الحياة من الاختلاط والألفة.
سعى المعري من هذه العزلة بالدعوة إلى إعادة العقل البشري إلى مساره الفطري وذلك بإعادة المصداقيه إليه، وتحريره أيضاً من الأفكار التي اكتسبها من العلاقات الاجتماعية؛ لأنّ هذه العلاقات -حسب رأيه- تعمل على إفساد مصداقية العقل؛ لأنها تُبنى على أوهام باطلة، وخرافات متناقضة كان يعتبرها الكثير من الناس حقائق ومسلمات في الحياة.
مؤلفات أبي العلاء المعرّي
كان أبو العلاء المعري معروفاً بغزارة تأليفه؛ فألّف في الشعر، وعلوم القرآن، والزهد، والوعظ، واللغة، والفلسفة، والنحو، والقواقي، والعروض، والألغاز، إلا أنّ الأكثريّة كانت في نظم الشعر، وكان إنتاجه الشعري والأدبي ما يقارب مئتي كتاب ورسالة، ما بين نقدٍ وإبداع؛ غيّر أنّ هذا التراث الوفير من المؤلفات ضاع ولم يبقَ منه إلا القليل، وكانت هناك عوامل عدّة ساعدت في إيجاد هذا الكمْ الهائل من التأليف عند المعري، ومنها: القدرة العقليّة الفذّة، والسرعة النادرة في الحفظ والفهم، واعتزال الناس والتفرغ للقراءة والبحث والكتابة، عدا عن الثقافة المتنوعة التي كانت بارزة بوضوحٍ وتجلِ في تراثه الأدبي العظيم؛ مما أهّله ليصبح من عظماء الأدباء عند العرب، وأن يتبوأ مكانة مرموقة بينهم ويصبح تراثه موضع اهتمام الدارسين في الشرق والغرب، ولقد تنوّع هذا التراث ما بين كتب، ودواوين شعريّة، ورسائل، وسوف نستعرضه فيما يلي
إقليد الغابات: هو كتاب اختزل فيه تفسير الألغاز التي جاءت في كتاب (الفصول والغايات).
الأيك والغصون: هو كتاب كبير تجاوز المئة جزء في الأدب، ويسمى أيضاً "الهمزة والردف".
تاج الحرّة: هو كتاب اختصّ بوعظ النساء.
خماسية الراح: هو كتاب جاء في ذمّ الخمر.
ذكرى حبيب: هو كتاب تناول بالشرح ديوان الشاعر أبي تمام.
راحة اللزوم: هو كتاب دوّن لشرح ديوان (لزوم ما لا يلزم).
الرياش المصطنعي: هو كتاب اختصّ بشرح ديوان الحماسة الرياشية.
ضوء السقط: هو كتاب اختص بشرح ديوان (سقط الزند)، تناول فيه المعري الألفاظ الغريبة؛ فقام بشرحها، وتبسيط معانيها، وجعلها قريبة من الأذهان.
عبث الوليد: هو كتاب تناول تعليق المعري على ديوان الشاعر البحتري.
الفصول والغايات: هو كتاب أظهر فيه المعري عظمة اللغة العربية، وتاريخها الأدبي حيث تجلّت في هذا الكتاب فصول أدبية بمستوى عالٍ في علم البلاغة والفصاحة، وكان لهذا الكتاب مدلولات تأملية إيمانية استمدها من بلاغة القرآن الكريم كان يهدف منها التمجيد والتعظيم للخالق تعالى.
اللامع العزيزي: هو كتاب تضمّن شرحاً لشعر أبي الطيب المتنبي.
ملقي السبيل: هو كتاب اشتمل على الكلام المنثور والمنظوم وتضمّن مواعظ كُتبت حسب حروف المعجم.
زجر النابح: هو عبارة عن كتاب مناظرات جرت بين المعري وخصومه ممن اتهموه بالكفر، وحاول المعري من خلال هذه المناظرات الرد عليهم، والدفاع عن نفسه، ودحض هذه التهم التي نسبت إليه.
مثقال النظم: هو كتاب تضمّن مادة العروض.
مجد الأنصار: هو كتاب تضمّن القوافي في الشعر.
دواوين الشعر
من أهم هذه الدواوين نذكرها فيما يأتي:
استغفر واستغفري: هو ديوان من الشعر يحتوي على قرابة العشرة آلاف بيت.
الألغاز: ديوان شعري.
جامع الأوزان: هو ديوان من الشعر نُظم حسب معنى اللغز، وهو يحتوي على تسعة آلاف بيت.
سقط الزند: هو ديوان من الشعر نظمه المعري في بداية عمره، وفيه ظهرت براعة المعري في الشعر، وخاصة في قصائده الأولى.
لزوم ما لا يلزم: هو ديوان من الشعر نظمه المعري حسب حروف المعجم، وكان المقصود من هذه التسّميّة بيان أنّ الحرف الوارد في قافية القصيدة لو تغيّر لا يخل ذلك في موسيقى القصيدة، وبناءً على ذلك ذكر المعري في شعره الحرف بحركاته الأربعة، وهي: الضمة والفتحة والكسرة والسكون منظوماً.
رسائل أبي العلاء المعرّي
اهتم أبو العلاء المعري في رسائله بالأسلوب، وضمّنها بما هو مأثور من الشعر، وكُتبت هذه الرسائل لأغراض عدّة منها: التهنئة، والمدح، والشفاعة، والتعزية، والنقد، والوصف، وغيرها، ومن هذه الرسائل نذكر ما يلي
رسالة الصاهل والشاحج: هي عبارة عن فن أدبي اجتمعت فيه العلوم العربية وعروضها وأشعارها؛ حيث يجد فيها القارئ الأدب واللغة والشعر القديم، واستطاع المعري من خلالها أن ينطق الحيوانات، ويجري حوارات فيما بينها، وتميّزت هذه الرسالة بالبساطة في سرد الأحداث التاريخية حيث دوّنها أبو علاء المعري ببصيرة ثاقبة لإعطاء تفسير تاريخي لوقائع العصر.
رسالة الغفران: هذه الرسالة عبارة عن كتاب تضمّن مزيجاً من النقد والوصف والقصص والعلم والدين والتاريخ والشعر ونقده، وتطرق فيه المعري أيضاً لسرد أخبار أبرز الشعراء في التاريخ العربي، وجوانب من حياتهم الخاصة، ومنهم: الأعشى، والمتنبي، وامرؤ القيس، وبرز في هذه الرسالة اطلاعه الواسع على الشعر القديم والحديث، وقد أظهرت هذه الرسالة مدى تلازم الشعر والنثر لدى المعري في الحياة.
اللغة في شعر أبي العلاء المعرّي
أثرى أبو العلاء المعري إنتاجه الأدبي بمفردات اللغة الضخمة التي استمدها من المعجم العربي، وكان يستخدم هذه المفردات بطرق تخدم فنونه الأدبية المختلفة سواءً النثرية أم الشعرية، وقد ساعده على ذلك ذاكرته القوية، وشغفه بالقراءة، واطلاعه الواسع، بالإضافة إلى دراسته للعلوم اللغوية من نحو وصرف وعروض؛ فكانت ثقافته واسعة وشاملة لجميع سنن اللغة والغريب منها، وقد برزت هذه الثقافة اللغوية بصورة واضحة في شعره؛ فقد كان المعري مهتماً اهتماماً بالغاً باللغة، وبارعاً في التعامل مع مفرداتها، ومنقباً عن معانيها وأسرارها، كما أدرك المعري أيضاً الأساليب البلاغيّة وخفاياها، وقد ظهر هذا الاهتمام جليّاً في ديوانه (سقط الزند) الذي تميز بجزالة المعاني وفخامة المفردات ومتانة التراكيب والبراعة في النظم وحسن انتقاء الألفاظ والمعاني، وقد غلب الطابع البدوي على مفردات المعري وأسلوبه،
ومن ذلك قوله: جاء الرّبيعُ واطَّباكَ المَرْعى واستَنَّتِ الفِصالُ حتى القرْعَى
إذ نجده يكثر من استخدام الألفاظ البدويّة في شعره رغم نشأته الحضرية، كما تأثر المعري أيضاً بالشعراء الجاهليين والقدامى؛ إذْ كان في كثير من الأحيان ينظم شعره على منوالهم مقلداً إياهم في توليد المعاني والصورة الشعريّة؛ فكان يكثر من ذكر ووصف النياق والمطايا وما يرتبط بهما من ذكر للسيف والدرع في تشبيهٍ بليغ للحياة والموت،
ومنه قوله: طار النواعبُ يوم فاد نواعيا فَنَدبْنه لموافقٍ ومنافٍ
كذلك كان المعري يكثر من ذكر النعام، والأرقم، والقطا، والغراب؛ الذي اتخذ منه رمزاً للتعبير عن حالات الرثاء في قصائده،
كقوله: أعاذِل إن صُمَّ القنا عن نعيه فوا حسدا من بعده للقنا الصُّمّ بكى السيف حتى أخْضَلَ الدمع جفنه على فارس يُرْويه من فارس الدُّهمِ
كما ترددت مفردات الليل والعتمة والنهار والضوء كثيراً في شعر المعري نتيجة شدة شعوره المبكر بالسواد نتيجة إصابته بالعمى،
ومن هذه الأبيات: فَلْيتَ اللّيالي سامحَتْني بِنَاظِرٍ يَراكَ ومَن لي بالضّحَى في الأصائل فلو أنّ عَيْني مَتّعَتْها بنظْرة إليكَ الأماني ما حَلُمْتُ بِغائل
شيخوخة أبي العلاء المعرّي ووفاته
عاش أبو العلاء المعري شيخوخته وهو ما زال في بيته، فأصاب جسمه الضعف والعجز، وأصبح غير قادرٍ على أداء صلاته قائماً، وقد مرض قبل وفاته بثلاثة أيام عن عمرٍ يناهز الثلاثة والثمانين عاماً، ودفن في المعرّة، وكان قد اجتمع على قبره ثمانون شاعراً يرثونه تعظيماً وتقديراً لدوره في الأدب. وردت روايات عدّة في تاريخ وفاته؛ حيث اتفقت هذه الروايات على أنّ وفاته كانت يوم الجمعة من شهر ربيع الأول للعام 449 للهجرة، بينما اختلفت هذه الروايات في تحديد التاريخ من هذا الشهر؛ فقيل إنّه الثاني وهذا ما ذكره ياقوت، أمّا ابن خلكان فقد جمع بين ثلاثة تواريخ ورجّح أن يكون المعري قد توفي في واحدة منها، وهذه التواريخ هي: الثاني أو الثالث أو الثالث عشرة من شهر ربيع الأول، وأيّده في هذا القول البغدادي، حيث قال إنّه توفي في الثالث عشرة من هذا الشهر، وثبت أنّ التاريخ الصحيح لوفاته كان يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول؛ لأنّ الثالث من هذا الشهر كان يوم السبت، أمّا الثالث عشرة فهو يوم الثلاثاء، وبهذا فإن التاريخ الصحيح لوفاة المعري هو يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول للعام 449 للهجرة.
منقول بتصرف من mawdoo3.com مشكورا