فلاسفة الإغريق و اليونان
تاليس الملطي
أول أولائك الحكماء ومبتدع طريقتهم هو تاليس الملطي، ويكتب البعض اسمه طاليس، ولقد عاش في الفترة ما بين 624 و 546 قبل الميلاد، وهو عالم يوناني، أصله من ملطة، الجزيرة المعروفة، فيلسوف وعالم رياضيات، ومتضلع في علوم الفلك، حتى إنه استطاع التنبؤ بكسوف الشمس الكامل الذي حدث سنة 585 قبل الميلاد، وتمكن من تحديد يوم وقوعه بدقة، وهو يوم 28 من أيار.
وينتمي تاليس إلى المدرسة الأيونية، وهي مدرسة فلسفية تمركزت بمدينتي ساموس والإسكندرية، وتميزت بشعرائها وكتابتهم عن الحب والإهداء وغيرها من الأدبيات الشعرية، ولقد استقت تسميتها من مدينة أيونية، وهي مدينة إغريقية قديمة.
ولقد تأثر تاليس المالطي بمجموعة من الفلاسفة وعلماء الرياضيات الإغريقيين واليونانيين، وعلى رأسهم أناكسيماندر، وأناكسيمانس.
ومن أهم آرائه حول الوجود والموجد قوله:
”إن للعالم مبدعا، لا تدرك صفته العقول من جهة هويته، وإنما يدرك من جهة آثاره“.
”إن فوق السماء عوالم مبدَعة لا يقدر المنطق أن يصف تلك الأنوار ولا يقدر العقل أن يقف على إدراك ذلك الحسن والبهاء، وهي مبدعة من عنصر لا يدرك غوره“.
أنكساغورس
يعد أنكساغورس واحدا من تلاميذ طاليس، وهو أول من أدخل الفلسفة إلى أثينا كما يقال.
عاش أنكساغورس في الفترة ما بين 500 و 428 قبل الميلاد، وينتمي إلى أسرة واسعة الثراء، ومع ذلك فإن ثراء أسرته لم يشغله عن العلم وطلب المعرفة.
ولد بقرية كلازوميني، وهي محاذية لمدينة أزمير، ثم رحل إلى أثينا، وكان عاملا هاما في نشر الفلسفة بها، وشخصية بارزة في الحركة الفكرية التي شهدتها أثينا واليونان بشكل عام.
ولقد اتهمه بعض خصومه بالإلحاد، والمقصود بذلك عندهم أنه قال بأن الشمس جرم ملتهب، وأن على القمر جبال ووديانا كما هي على الأرض، وأن الكواكب الأخرى شبيهة بالأرض، استنادا إلى الأحجار المتساقطة من السماء، وهذا كلام غير مقبول عند اليونانيين، لكونهم يعتقدون بأن الكواكب آلهة، وليست مجرد أجرام عادية، ولقد حكم عليه بناء على تلك التهم بالموت، إلا أنه نجا بفضل تدخل صديقه بركليس، وهو زعيم سياسي واسع النفوذ، ثم فر بعدها إلى مصر، وجاب عدة أقطار، ثم آب في الأخير إلى بلدته ومسقط رأسه كلازوميني، وبها توفي.
وأما بالنسبة لرأيه في أصل الأشياء فقد أورد عنه الشهرستاني أنه قال:
”إن أصل الأشياء جسم واحد موضوع الكل، لا نهاية له، ومنه تخرج كل الأجسام والأنواع والأوصاف!“.
أنكسيمانس
أنكسيمانس واحد من الفلاسفة الملطيين، عاش في الفترة ما بين 588 و 525 قبل الميلاد، ويعتبر واحدا من آخر الفلاسفة الذين يمثلون المدرسة الإيونية، وهو فيلسوف وعالم في الرياضيات والفلك، من تلاميذ أناكسيماندر، ومتأثر بأفكار ونظريات تاليس الملطي، ولكنه يختلف معه في كون المادة الأصلية التي يرجع إليها الكون ونشأ منها هي الهواء وليس الماء كما قال تاليس.
مولده ووفاته بميليونس، وهي مدينة قديمة بآسيا الصغرى، وتدعى اليوم بألاتا.
ومن أبرز آرائه أنه اعتقد بأن الهواء بعد تكثيفه يمكن أن يرى، وقال بأن الماء عبارة عن هواء بلغ حالة من التكثيف، وكذلك التراب، وقال بإمكانية تحويل الهواء إلى تراب بعد تكثيفه، وتحويل التراب إلى هواء بعد تقليل كثافته!
أنباقليدس
فيلسوف يوناني، هو أول الحكماء الخمسة عند العلامة القفطي، بينما عده الشهرستاني رابع الحكماء السبعة، عاش في الفترة ما بين 490 و 319 قبل الميلاد، وهو من كبراء الفلسفة والحكمة،
”دقيق النظر في العلوم، رقيق الحال في الأعمال“.
ويقال بأنه كان معاصرا لنبي الله داود عليه السلام، رحل إليه ولقيه وأخذ عنه العلم والحكمة، ويحكى أيضا أنه سافر إلى لقمان الحكيم واقتبس منه ونهل من معين حكمته ومعارفه.
ولقد ارتبط بحياته وموته الكثير من الأساطير، ومن أهم أعماله كتابان: كتاب في الطبيعة، وكتاب في التطهير.
ومن أفكاره التي تحدث عنها الشهرستاني قوله:
”إن العالم مركب من العناصر الأربعة“،
وقال أيضا: ”الهواء لا يستحيل نارا، ولا الماء هواء، وإنما ذلك بتكاثف وتخلخل، وبكمون وظهور، وتركيب وتحلل، وإنما التركب في المركبات بالمحبة يكون، والتحلل في المتحللات بالغلبة يكون!“.
فهو يرجع جل الظواهر إما للمحبة أو الغلية.
فيثاغورس
فيثاغورس فيلسوف وعالم رياضيات يوناني الأصل، عاش في الفترة ما بين 560 و 495 قبل الميلاد، كان شغوفا بالأرقام، شديد الحب للرقم عشرة على وجه التحديد، ولولعه بالرياضيات قال بأن الأرقام هي مبدأ كل شيء، وكان له فضل كبير في تطور علم الرياضيات والهندسة، ولا زالت بعض نظرياته تدرس إلى يومنا هذا.
جعل حياته حكرا على دراسة الحكمة وخدمة أتباعه، وعاش معهم حياة زهد وتقشف، وتمثل زهدهم في ليس الثياب البيضاء خاص، وعدم أكل اللحوم، وممارس الرياضات الروحية.
ويقول الشهرستاني عن رأيه في الأرقام والعدد:
”إن لفيثاغورس رأيا في العدد والمعدود قد خالف فيه جميع الحكماء قبله…
وقال: مبدأ الموجودات هو العدد، وهو أول مبدع أبدعه الباري.
سقراط
هو واحد من الفلاسفة اليونانيين المشهورين، واسمه يتردد على كل الألسنة، حتى إن عوام الناس يعرفون هذا الاسم، ويوظفونه في بعض محادثاتهم.
ولد سقراط وترعرع في أثينا، وعاش في الفترة ما بين 469 و 399 قبل الميلاد، ويعد أحد أبرز مؤسسي الفلسفة اليونانية خاصة، والفلسفة الغربية على وجه العموم، كما يعتبر لدى البعض مؤسسا لعلم الأخلاق.
رهن حياته ووقته للعلم والتدريس، ومن أبرز تلاميذه أفلاطون، وزينوفون، ولم تصلنا أعماله المباشرة، ولكن التاريخ حفظ لنا جزءا من آثاره وأفكاره من خلال ما ألفه تلاميذه عنه، وبخاصة حوارات كل من أفلاطون وزينوفون، ولقد كان معاصرا لمرحلة أفول نجم أثينا وانهيار حكمها، إثر هزيمتها في معركة البلوبونيز ضد الاسبرتيين.
وأما بالنسبة لوفاته فإنه قد مات منتحرا بالسم، بعد أن أجبر على شربه، إثر محاكمة قضت بموته، ولقد وصف زينوفون تلك المحاكمة واللحظات الأخيرة من حياة سقراط في حواراته.
ويقول الشهرستاني في حقه:
”الحكيم الفاضل الزاهد… كان قد اقتبس الحكمة من فيثاغورس وأرسالاوس، واقتصر على الإلهيات والأخلاقيات… نهى الرؤساء عن الشرك وعبادة الأوثان فثوروا عليه العامة وألجأوا ملكهم إلى قتله، فحبسه الملك، ثم سقاه السم“.
ومن حكمه وأقواله:
- عندما قتشت عن علة الحياة ألفيت الموت، وعندما وجدت الموت ألفيت الحياة الدائمة.
- للقلب آفتان الغم والهم.
- للحياة حدان؛ أحدهما الأمل، والثاني الأجل، فبالأول بقاؤها وبالآخر فناؤها.
أفلاطون
وأما بالنسبة لهذا الفيلسوف الشهير فقد عرفه الشهرستاني بقوله:
”أفلاطون بن أرسطن بن أرسطوقليس، من أثينة، وهو آخر المتقدمين الأوائل الأساطين، معروف بالتوحيد والحكمة“.
عاش أفلاطون في الفترة ما بين 427 و 347 قبل الميلاد، وكان اسمه في البداية هو ارستوكليس بن أرسطن، ثم اشتهر بأفلاطون، وتعني في اللغة الإغريقية عريض المنكبين، وذا بسطة في الجسم، تتلمذ على يد سقراط، وبعد وفاة معلمه قام مقامه وجلس على كرسيه يدرس الفلسفة وسائر العلوم التي برع فيها من رياضيات وفلك وغيرها.
ولقد خلف الكثير من التلاميذ الذين حملوا مشعل الفلسفة من بعده، ومن أشهرهم أرسطو.
وأهم الأعمال التي خلفها كتاب الجمهورية المعروف بجمهمورية أفلاطون، وكتاب الشرائع، وهو المسمى النواميس، ومحاوراته الكثيرة.
وينقل الشهرستاني عن كتاب النواميس قول أفلاطون:
”إن من الأشياء التي لا ينبغي للإنسان أن يجهلها: أن له صانعا، وأن صانعه يعلم أفعاله“.
أولئك هم الحماء السبعة، وتلك نتف من آرائهم وأقواهم، ولعلك تجدها كما وجدتها غريبة أحيانا، تدفعنا للتساؤل والتأمل، وتحتم علينا التوقف للتفكير مليا قبل إصدار أية أحكام.