آية مصيريّة تنفي وجود مهنة رجل الدين: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ==>ما جعل الله 1-أشخاصا يتوسّعون في الدّين و يضيفون فيه 2-و لم يهمل فيه شيئا 3-و لم يجعل صلة وصل بينه و بين الناس 4-ولم ينصّب أحدا لحماية الدّين و لكنّ المتكبّرين المنكرين يفترون الأكاذيب على الله وأكثرهم لايعقلون

إبن خلدون

أقوال إبن خلدون في الحياة

الناس في السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا.

كوارث الدنيا بسبب إننا نقول نعم بسرعة، ولا نقول لا ببطء.

فاز المتملقون.

يوزن المرء بقوله، ويقوّم بفعله.

إذا أردت أن تعرف الإنسان فانظر من يصاحب؛ فالطباع يَسرق بعضها من بعض فترى أننا نأخذ من طباع بعضنا دون أن نشعر.

قد لا يتم وجود الخير الكثير إلا بوجود شر يسير.

قمة الأدب أن تنصت إلى شخص يحدثك في أمر أنت تعرفة جيداً وهو يجهله.

 

 

أقوال إبن خلدون في المنطق

من يقرأ القليل في الفلسفة سيتجه بأغلب الأحوال إلى الإلحاد، ومن يقرأ الكثير منها يتجه للإيمان بكل حال من الأحوال.

شعور الإنسان بجهله ضرب من ضروب المعرفة.

الحق لا يقاوم سلطانه، والباطل يقذف بشهاب النظر شيطانه، والناقل إنما هو يملي وينقل، والبصيرة تنقد الصحيح إذا تمقل، والعلم يجلو لها صفحات القلوب ويصقل.

 

أقوال ابن خلدون في العرب

العرب إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب.

إن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط.

أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر، والسبب في ذلك أن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة، وانغمسوا في النعيم والترف، ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم.

إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية أو ولاية، أو أثر عظيم من الدين بسبب خلق التوحش المتأصل فيهم، وهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة، وبعد الهمة والمنافسة في الرئاسة فقلما تجتمع أهوائهم.

العربيّ لا تُصلحه إلّا رسالة، فإن نزعت الخلق من الانسان العربيّ، صار حيوانا أعجم.

 

أجمل أقوال ابن خلدون في التاريخ

إن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق.

التاريخ فن يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم وحضاراتهم.

اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء.

إن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم في المعاش.

 

أشهر أقوال ابن خلدون في الدولة والقانون

ظلم الأفراد بعضهم بعضاً يمكن رده بالشرع؛ أما ظلم السلطان فهو أشمل وغير مقدور على رده وهو المؤذن بالخراب.

 

الظلم مؤذن بخراب العمران.

الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها.

إن رجال الدين أهل شورى في علوم الشرع، لا في الحل والعقد داخل الدولة التي هي لغيرهم من أصحاب القوى الاجتماعية المؤثرة.

 

يقلب الحاكم توجسه وغيرته من شعبه إلى خوف على ملكه، فيأخذهم بالقتل والإهانة.

حينما ينعم الحاكم في أي دولة بالترف والنعمة، تلك الأمور تستقطب إليه ثلة من المرتزقين والوصوليين الذين يحجبونه عن الشعب، ويحجبون الشعب عنه، فيصلون له من الأخبار أكذبها، ويصدون عنه الأخبار الصادقة التي يعاني منه الشعب.

إن الاجتماع الإنساني ضروري، فالإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية، ومن العجز عن استكمال وجوده و حياته، فهو محتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبداً بطبعه.

السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الأخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه.

إن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص، اعلم أن العمر الطبيعي للأشخاص على ما زعم الأطباء والمنجمون مئة وعشرون سنةً.

إن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها، أسرع إليها الفناء والسبب في ذلك والله أعلم ما يحصل في النفوس من التكاسل، إذا ملك أمرها عليها، وصارت بالاستعباد آلة لسواها، وعالة عليهم فيقصر الأمل، ويضعف التناسل، والاعتمار إنما هو عن جدة الأمل .

الصراعات السياسية لا بدّ لها من نزعة قبليّة أو دينية، لكي يُحفّز قادتها أتباعهم على القتال والموت، فيتخيّلون أنّهم يموتون من أجلها.

الولاء والحلف إذ نصره كل أحد من أحد على أهل ولائه، وحلفه للألفة التي تلحق النفس من اهتضام جارها، أو قريبها، أو نسيبها بوجه من وجوه النسب، وذلك لأجل اللحمة الحاصلة من الولاء.

فساد القضاء يُفضي إلى نهاية الدولة.

إذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة.

 

أقوال جميلة في علم الاجتماع لابن خلدون

تواكب هذا العصر المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره، وزيه، ونحلته، وسائر أحواله، وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إما لنظره بالكمال.

العصبية نزعة طبيعية في البشر منذ كانوا.

اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء، بل أن الأحياء أموات.

النوع الإنساني لا يتم وجوده الا بالتعاون.

يحتاج الإنسان إلى حماية نفسه من إخوته، ولتأمين هذه الحماية لا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض.

الفتن التي تتخفي وراء قناع الدين تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات.

إذا فسد الإنسان في قدرته، ثم في أخلاقه ودينه ، فسدت إنسانيته وصار مسخاً على الحقيقة.

إن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقله.

 

 

إبن خلدون 

ابن خلدون هو عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون أبو زيد ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (1332 - 1406م)، وهو المكنّى بأبي زيد.

اشتهر بشكلٍ كبيرٍ بسبب كتابه “مقدمة ابن خلدون“، والذي أثّر على المؤرخين العثمانيين في القرن السابع عشر مثل كاتيب شلبي وأحمد سيفدت باشا ومصطفى نعيمة، الذين استخدموا نظريات من الكتاب لتحليل نمو وتراجع الإمبراطورية العثمانية، واعترف العلماء الأوروبيون في القرن التاسع عشر أيضًا بأهمية الكتاب، واعتُبر ابن خلدون واحدًا من أعظم الفلاسفة في العصور الوسطى.

إن حياة ابن خلدون موثقة توثيقًا جيدًا نسبيًا، حيث أنه كتب سيرته الذاتية (التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا).

 

نشأته 

ولد ابن خلدون في تونس عام 1332/732هـ بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34. أسرة ابن خلدون أسرة علمٍ وأدب، حفظ القرآن الكريم في طفولته، وكان أبوه معلمه الأول، شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصبَ سياسيةً ودينيةً مهمةً وكانوا أهل جاهٍ ونفوذٍ، نزحت عائلته من الأندلس منتصفَ القرن السابع الهجري إلى تونس خلال حكم الحفصيين. يتعقب ابن خلدون أصوله إلى حضرموت وكان اسمه العائلي الحضرمي وذكر في تاريخه كتاب العبر المعروف باسم "تاريخ ابن خلدون" أنه من سلالة الصحابي وائل بن حجر وأنّ أجداده من حضرموت

 

ولد في تونس وشب فيها وتخرّج من جامعة الزيتونة، وليَ الكتابة والوساطة بين الملوك في بلاد المغرب والأندلس ثم انتقل إلى مصر حيث قلده السلطان برقوق قضاء المالكية. ثم استقال من منصبه وانقطع إلى التدريس والتصنيف فكانت مصنفاته من أهم المصادر للفكر العالمي، ومن أشهرها كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر (تاريخ ابن خلدون).

 

هاجرت عائلته التي كانت تشغل العديد من المكاتب العليا في الأندلس إلى تونس بعد سقوط إشبيلية في 1248 ميلادية. وفي عهد أسرة حفصدية التونسية، شغل بعض أفراد أسرته مناصب سياسية، لكن والد ابن خلدون انسحب من الحياة السياسية وانضم إلى نظامٍ صوفي. وكان شقيقه يحيى خلدون مؤرخًا كتب كتابًا عن سلالة عبد الوادي، واغتِيل من قبل منافس لكونه مؤرخًا رسميًا للمحكمة.

 

في سيرته الذاتية، خلدون يتتبع أصله إلى عهد النبي محمد، من خلال قبيلةٍ عربيةٍ من اليمن، وتحديدًا حضرموت، التي جاءت إلى شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن الثامن في بداية الفتح الإسلامي، حيث كتب:

"ومن أصلنا من حضرموت، من عرب اليمن، عبر وائل بن حجر المعروف أيضًا باسم حجر بن عدي، من أفضل العرب، المعروفين والمحترمين". 

 

أُعجب ابن خلدون بابنة القائد محمد بن الحكيم فتزوجها وكان عمره آنذاك 23 عامًا في عام 755 هجري- 1354 ميلادي . وفي فاس وضعت زوجته مولودهما وأسمياه زيد، فأصبح يُكنى بأبا زيد.   أما من حيث ديانة ابن خلدون ومعتقداته وطائفته الأصلية ، فقد ولد لعائلة مسلمة



 

تعليمه 

صل على التعليم على يد أفضل المعلمين في المغرب العربي، وذلك بسبب مكانة عائلته. كما حصل على تعليمٍ إسلامي تقليدي، حيث درس القرآن وحفظه عن ظهر قلب، كما درس اللغة العربية وهي أساسٌ لفهم القرآن والحديث الشريف والشريعة والفقه.

 

حصل على شهادة (إجازة) لجميع هذه التخصصات، وعرّفه عالم الرياضيات والفيلسوف العبيلي من تلمسان على الرياضيات والمنطق والفلسفة، حيث درس قبل كل شيء أعمال ابن رشد وابن سينا ورازي وتوسي.

 

وظائف تولاها

كان ابن خلدون دبلوماسيا حكيما أيضا. وقد أرسل في أكثر من وظيفة دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول: مثلا، عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيرا له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما وكان صديقا مقربا لوزيره لسان الدين ابن الخطيب. كان وزيرا لدى أبي عبد الله الحفصي سلطان بجاية، وكان مقربا من السلطان أبي عنان المرينى قبل أن يسعى بينهما الوشاة. وبعد ذلك بأعوام استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم المغولي القاسي تيمورلنك، وتم اللقاء بينهما. وصف ابن خلدون اللقاء في مذكراته. إذ يصف ما رآه من طباع الطاغية، ووحشيته في التعامل مع المدن التي يفتحها، ويقدم تقييما متميزا لكل ما شاهد في رسالة خطها لملك المغرب. الخصال الإسلامية لشخصية ابن خلدون، أسلوبه الحكيم في التعامل مع تيمور لنك مثلا، وذكائه وكرمه، وغيرها من الصفات التي أدت في نهاية المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملا متميزا عن غيره من نصوص أدب المذكرات العربية والعالمية. فنحن نرى هنا الملامح الإسلامية لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة. ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع.

 

ساهم في الدعوة للسلطان أبي حمو الزياني سلطان تلمسان بين القبائل بعد سقوط بجاية في يد سلطان قسنطينة أبي العباس الحفصي وأرسل أخاه يحيى بن خلدون ليكون وزيرا لدى أبي حمو.

 

مؤلفاته

مقدمة ابن خلدون.

تاريخ ابن خلدون، واسمه: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في معرفة أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.

لباب المحصل في أصول الدين.

شفاء السائل وتهذيب المسائل، نشره وعلق عليه أغناطيوس عبده اليسوعي.

التعريف بابن خلدون ورحلاته شرقاً وغرباً (مذكراته).

 

وفاته

توفي ابن خلدون في 19 آذار/ مارس من عام 1406، و سارت القاهرة في وداعه العامة والعلماء والقضاة والأمراء، ودُفن جثمانه بمقابر الصوفية خارج باب النصر في اتجاه حي العباسية.


 

المراجع

محمد عبد الله عنان، ابن خلدون حياته وتراثه الفكري

ابن خلدون، موقع يا بيروت نسخة محفوظة 27 نوفمبر 2015 على موقع واي باك مشين.

عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر


 

مقدّمة

ابن خلدون هو وليُّ الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون الخضرميّ، وهو المكنّى بأبي زيد، حيثُ ذكر ابن خلدون نسبه بهذا الشكل وقال:" لا أذكر من نسبي إلى خلدون غير هؤلاء العشرة"، كما يتّصل نسبهُ إلى الصحابي وائل بن حجر، الذي قدِم إلى النبي فبسط له رداءه، وأجلسهُ ودعا لهُ. لم يتفق العلماء على أصل ابن خلدون، بل اتخذوا في ذلك مذهبين، الأول منهما يرى أنّه عربي الأصل ويمثله ساطع الحصريّ، أمّا الفريق الثاني فيمثله طه حسين ومحمد عبدالله عنّان، حيث يريان ومن معهما أنّ أصل ابن خلدون بربري، إلّا أنّ ما لا شكّ فيه عراقة نسبه، وعلوِّ شأن قومه وارتفاع منزلتهم، لا سيما بعد أنّ استقروا في مدينة الأندلس، حيث تسلموا مناصب مرموقة في البلاد، وحافظوا على مكانتهم فتنقلوا ما بين رئاسة علمية وأخرى سلطانيّة، فخرج منهم العالم، والأديب، والمؤرخ، والاجتماعي، والحكيم، وكان لابن خلدون نصيب من الرئاستين معاً، فهو الذي كان والياً لقضاء المالكيّة في مصر، حيث عُرف عنه الزهد والانقطاع عن السياسة في آخر أيام حياته، ومجالسة أصحاب العلم.

 

نشأة ابن خلدون

وُلد ابن خلدون في تونس في شهر رمضان من عام 732هـ، وامتازت الفترة التي نشأ فيها ابن خلدون بانتشار العلم، ووفرة الأدب، لا سيّما أنّه تلقى فن الأدب عن والده، كمّا أنّه التحق بمجالس العلم التي كانت تضُم عدّة علماء كبار كان منهم قاضي القضاة محمد بن عبدالسلام، والرئيس أبي محمد الحضرمي، والعلامة الآبلي، فما بلغ ابن خلدون سن العشرين حتى تميّز بعلمه وأدبه، وعُرفَ بعبقريتهِ، فاستدعاه أبو محمد بن تافراكين إلى البلاط الملكي لكتابة العلامة عن السلطان أبي اسحاق، وهي " الحمد لله والشكر لله" التي تُكتب بالقلم الغليظ ما بين البسلمة وما بعدها، سوآء كانت مخاطبة أم مرسوم، ومنذ ذلك بدأت حياة ابن خلدون السياسيّة.

 

حياته السياسية والوظائف التي تسلّمها

في تونس

بعد أن ولّى ابن تافراكين ابن خلدون أولى مهامه المتمثلة بكتابة العلامة في المراسيم، ومخاطبة السلاطين، خرج مع السلطان أبي اسحاق لملاقاة صاحب قسنطية الأمير أبي زيد، فالتقى الجيشان وكانت النتيجة هزيمة جيش السلطان، مما دفع ابن خلدون للسفر إلى المغرب، وطلب المساعدة من السلطان أبي عنّان صاحب تلمسان الذي رحّب به و أكرمه وقّدم له الحماية، ودعاه إلى مجالس العلم، كما ألزمهُ بشهود الصلوات معه.

في المغرب

شغل ابن خلدون في المغرب أكثر من منصب، والتي يُذكر منها ما يأتي:

كتابة العلامة عن السلطان أبي عنّان سنة 775هـ: حيث اعتبرت المهمة الثانية من نوعها التي وُكِّل بها ابن خلدون، وهي الكتابة للسلطان أبي عنّان حيث وكّله بها لِِما عرّفه عنه من مجالسته لأهل العلم في المجالس التي كان يحضرها، إلا أنّه لم يستمر في هذا المنصب لوقت طويل حيث عُوقب بالسجن سنة 756هـ لاتهامهِ بأنّه ساعد الأمير محمد لاسترجاع ملكهِ، فمكث في السجن قرابة العامين، إلى أن كتب قصيدة استعطف بها السلطان لإطلاق سراحه فكان لها أثر في نفس أبي عنّان، فوعده أنّ يفك أسرهُ، لكنه توفي قبل أن يفي بوعده.

الكتابة عن السلطان أبي سالم في السّر والإنشاء سنة 760هـ: طلب السلطان أبو سالم ابن خلدون بعدما ساعده في استرداد ملكه للكتابة له، وذلك لسعة علمه وبلاغتهِ، ومهاراته في كتابه رسائل السلاطين، والقدرة على نظم الشعر، وإتقانه لفن الخطابة، وغيرهما من فنون.

خطة المظالم: وهي المهمة الثانية التي وُكِّل بها ابن خلدون من قِبل السلطان أبي سالم في أواخر عهده في المغرب، حيث تقوم على القضاء بين الناس، وإقامة العدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وأشار ابن خلدون إلى أنّه أعطى هذه المهمة حقها طيلة تسلمه إيّاها.

الحجابة لدى صاحب بجاية: عمل ابن خلدون حاجباً لدى السلطان بجاية بن أبي عبد الله، ويعتبر منصبه هذا الأول له في الأندلس، ويُعرِّف ابن خلدون الحجابة في المغرب فيقول: "الاستقلال بالدولة والوساطة بين السلطان وبين أهل دولته"، حيث يُعتبر الحاجب هو المسؤول عن شؤون الناس، إذ يملك في يده زمام أمور الدولة كافّة، وهو الأمر الذي يتطلب أن يكون صاحب هذه الوظيفة على قدر عالٍ من العلم والثقافة والنباهة، وقد اجتمعت هذه الصفات في ابن خلدون، فكان مصدر ثقة للعديد من السلاطين الذين استعانوا به لاسترجاع ملكهم.

الحجابة لدى صاحب قسنطية: تسلّم ابن خلدون الحجابة بقرار من السلطان أبي العباس بعد مقتل أمير بجاية، وذلك لمساعدة ابن خلدون له في استعادة ملكه، لكنّه لم يمكث طويلاً في هذا المنصب؛ لكثرة استعانة الناس به عند السلطان.

السفارة: استعمل سلطان المغرب عبدالعزيز ابن خلدون ليقويّ علاقتهُ مع أهل بلاد ريّاح، فعيّنهُ سفيراً فيها لعلاقتهِ الطيبة مع أهلها، كما شغل سفيراً للسلطان أبي حمّو في منطقة الدوادة أيضًا ليوطّد العلاقة بين أهلها والسلطان، وبعد فترة ترك ابن خلدون السفارة ثمّ خرج إلى أحياء أولاد عريف، ومكثّ في قلعة أبي سلامة قرابة الأربعة أعوام تفرغ خلالها للكتابة، فخرج بمقدمته المشهورة مع أجزاء من التاريخ.

في الأندلس

طلب السلطان أبو عبد الله بن الأحمر من ابن خلدون أن يذهب إلى ملك قشتالة عام 765هـ لإقامة الصلُح بينهما، فرحبّ به ملك قشتالة بشدّة، وطلب منه أنّ يبقى في قشتالة على أنّ يردّ له ملك أجداده، لكنّ ابن خلدون رفض ورجع إلى السلطان ابن الأحمر مبشراً إيّاه بأداء ما أرسله لأجله.

في مصر

شغل ابن خلدون مناصب ومهمّات عدّة في مصر، وفيما يلي ذكر لبعضها

القضاء الخاص بالمالكيّة: شغل ابن خلدون منصب قضاء المالكيّة، حيث كان أولها عام 786هـ بأمر من الملك الظاهر برقوق، إذ خوّله لذلك ما كان يملكه من معارف وخبرات، ثمّ أُعيد تعينه بذات المنصب عام 801هـ، أمّا المرة الثالثة فكانت بأمر من الملك السلطان فرج عام 803هـ، فيما كانت الرابعة سنة 804هـ، أمّا المرة الخامسة فكانت عام 807هـ، والتي لم تدم لأكثر من أربعة أشهر بسبب وفاته.

وظيفة التدريس: عمل ابن خلدون في وظيفة التدريس في مصر في أماكن عدّة، حيث كانت بدايتهُ مدرساً في جامع الأزهر، ثم انتقل إلى مدرسة القمحيّة بأمر من صلاح الدين بسبب وفاة بعض المدرسين فيها، كما شغل وظيفة التدريس في مدرسة الظاهرية أو البرقوقية، كما عمل كمدرس لمادة الحديث في مدرسة صرغتمش عام 791هـ.

منصب ولاية خانقاه بيبرس: شغل ابن خلدون هذا المنصب خلفاً لشرف الدين الأشقر، وذلك بعد عودتهِ من أداء فريضة الحج عام 790هـ، بطلب من السلطان الظاهر لتوسعة رزقهُ.

 

تأثير تجاربه السياسية والحياتية على تفكيره وكتاباته

نشأ ابن خلدون في بيئة زاخرة ومتنوعة، فمنذ كان عمره عشرين عاماً استطاع أن يشغل عدّة وظائف كان منها كتابة السر وخطة المظالم، كمّا شغل عدّة مناصب فاختبر مناصب الوزارة، والسفارة، والخطابة، والقضاء، والحجابة، والتدريس، غير أنّه جرّب حياة القصور المرفّهة، وقسوة الاعتقال والسجن، كمّا عاش في ظل تقلبات سياسيّة عديدة كان طرفاً في بعضها، وقد ساعد هذا التنوع ابن خلدون على اكتساب خبرة واسعة، ومعرفة عميقة كان لهما الأثر في التكوين الفكري والثقافي لابن خلدون، فخرج بكتابه المشهور باسم "العبر في ديوان المبتدأ والخبر" الذي ابتدأ فيه بمقدمته المعروفة، لا سيّما أنّه تنقل بين بلدان عدةّ في العالم الإسلامي وحدود أوروبا، وكان من البلدان التي تنقل بينها تونس، والقاهرة، وغرناطة، والقدس، ودمشق، وفاس، وإشبيلية، حيثُ كانت جميعها مدن زاخرة بالعلم والفنون في ذلك الحين.

كما أنّ العوامل التي ساعدت في فتح الآفاق حول تفكير ابن خلدون، تواصلهُ مع عدد من العلماء من مختلف الثقافات داخل العالم الإسلامي، ومجالسته لهم وتبارل الآراء والأفكار فيما بينهم، دعتهُ إلى مواصلة القراءة، و مطالعة العديد من الكتب المتوفرة في المكتبات العامة التي كانت متاحة في معظم المدن التي زارها، بالإضافة إلى انقطاع ابن خلدون في قلعة ابن سلامة التي كانت سبباً في تفرغه وصفاء ذهنه ودقة آرائه، كما نفعته تلك الفترة الطويلة التي قضاها في مدينة القاهرة، والتي استطاع خلالها أنّ يُعيد ترتيب كتابهِ العبر، واضافة تاريخ المشرق له، وأضاف إلى مقدمتهِ معلومات مهمة جداً، وصاغ آراء حول طُرق صلاح الأمم وتطويرها، وناقش أسباب انهيارها.

 

تقسيم مراحل حياته وفقاً للعلماء

قسّم علماء التاريخ المراحل التي عاشها العالم ابن خلدون إلى أربع مراحل

المرحلة الأولى

تشير هذه المرحلة إلى أول عشرين عاماً من عمر ابن خلدون، حيث قضاها في مدينة تونس، وهي المرحلة التي جمع فيها العلم، وحفظ فيها القرآن حيث استغرق منه حفظهُ خمسة عشر عاماً، وتعلّم خلالها القراءات وأحكام التجويد، وامتدت هذه المرحلة منذ ولادته عام 732هـ إلى عام 751هـ.

المرحلة الثانية

امتدت هذه المرحلة خمسة وعشرين عاماً بدءاً من عام 751هـ وحتى عام 776هـ، حيث تتسم هذه المرحلة بإشغال ابن خلدون لوظائف سياسيّة وديوانية عدّة في المغرب، وتونس، والجزائر.

المرحلة الثالثة

كتب ابن خلدون في هذه المرحلة كتابه المشهور"العبر في المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، والذي يحتوي في قسمه الأول على المقدمة، وامتدت منذ نهاية عام 776هـ إلى عام 784هـ، وتُقسم هذه المرحلة إلى قسمين

الأولى قضاها في قلعة ابن سلامة،

والثانية في مدينة القاهرة.

المرحلة الرابعة

امتدت هذه المرحلة أربعة وعشرين عاماً، وهي المرحلة التي اشتغل فيها ابن خلدون في وظائف التدريس و القضاء، حيث قضاها في مصر منذ عام 784هـ إلى عام808هـ.

 

دراسات ابن خلدون وآراؤه

ابن خلدون وعلم الإجتماع

أشار معظم الباحثين أن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع، حيث استطاع أن يسبق العلماء المؤسسين لعلم الاجتماع الغربي المعاصر بسنوات طويلة، والذين كان منهم أوغست كونت (بالإنجليزية: Auguste comte)، وسبنسر (بالإنجليزية: Spencer)، ودوركهاي (بالإنجليزية: Durkheim)، وفيبر (بالإنجليزية: Max weber)، كما يرى المؤرخ البريطاني تويبنيّ أنّ تفوّق ابن خلدون ظهر بشكل كبير في مقدمته المشهورة فيما يظهر لقارئها من عمق في البحث، وقوة في التفكير، لا سيّما أنّه استطاع أن يكتب عن علم العمران البشري بطريقة لا يمكن التميز بينها وبين فن التاريخ، وذلك لأنّ فهم القواعد والأصول لا يتم إلّا بعلم العمران، حيث يُعرَف عن عِلمَي العمران والتاريخ تقاطعهما في الكثير من المناحي، كما تقاطع المنطق والفلسفة. كما أطلق ابن خلدون مصطلح العمران البشري لدلالة على علم الاجتماع، حيث يُعرّف علم الاجتماع بأنّه علم يختص بدراسة الحياة الاجتماعية والسلوك الإنساني داخل الجماعات الإنسانية، ومن أبرز المفاهيم الخاصة بعلم العمران البشري والتي تقود لعلم الاجتماع مفهوم العمران وهو فنٌّ حديث الصنعة، ومفهوم الجاه الذي يظهر عند صاحب المال والسلطة، والعصيبة وهي الرابطة التي تؤدي إلى تماسك الجماعات البشرية، ومرادفها في علم الاجتماع المواطنة، أوالتكافل، أوالتماسك الاجتماعي ومن المصطلحات الأخرى المتّصلة بهذا العلم البدو، والبدواة، والتمدّن وغيرها الكثير.

آراؤه التربوية

أشار ابن خلدون إلى أنّ أهداف التربية هي:

  1. ترك مجال واسع للفكر عند الإنسان؛ لينشط ويتجدد.
  2. السماح للإنسان بالعيش في مجتمع راقٍ ومتحضر، ومنحهُ حياة طيبة.
  3. إعطاء الإنسان فرصة لكسب الرزق، وتنمية الأخلاق الحميدة التي دعا إليها القرآن الكريم.

كما يشير ابن خلدون إلى أنّ العلوم التي يكتسبها الإنسان خلال حياته تنقسم إلى قسمن، أولهما العلوم النقليّة وهي العلوم التي اكتسبها الإنسان عن طريق الخبر، دون إعمال منه للعقل إلا في حالات الفروع المتصلة بالأصول، وعادة ما يكون مصدرها شرعي كعلم التفسير، وعلم القراءات، وعلوم الحديث، وعلم أصول الفقة، والتوحيد، والبيان، وعلم الأدب، أمّا ثانيهما فهي العلوم العقليّة وهي العلوم التي اكتسبها الإنسان واهتدى لها عن طريق عقله، كعلم المنطق، والعلم الطبيعي والعلم الإلهي -ما وراء الطبيعة-، وعلم النظر في المقادير كالهندسة، والرياضيات، والفلك،

ورتّب ابن خلدون العلوم حسب أهميتها عند الإنسان على النحو الآتي:

  1. العلوم الدينيّة، كعلوم القرآن الكريم، والحديث الشريف.
  2. العلوم العقليّة، مثل العلم الطبيعي.
  3. العلوم المساندة للعلوم الشرعيّة، مثل اللغة، والنحو، والبلاغة.
  4. العلوم المساندة للعلوم العقليّة، مثل علم المنطق.

 

منهج ابن خلدون

بدأ ابن خلدون بحفظ القرآن الكريم، ثم درس علوم الحديث والشريعة وقواعد اللغة العربية و الشعر، كما اهتمّ بدراسة الفلسفة التي كانت منتشرة في العصر الأندلسي، حيث تأثر بثقافة الإغريق عامة وبكتابات أرسطو بشكل خاص، وكان لمعلمهِ الآبلي الأثر الواضح في اتباع ابن خلدون منهج شيخه الذي يتمثل في الابتعاد عن الدراسة النظرية، واتّباع الأسلوب العلمي.

منهجه في تحليل الظواهر الطبيعية

اعتمد ابن خلدون في تحليل الظواهر الاجتماعية على منهج معرفة الروابط بين الأسباب والمسببات، لذلك تُعد طريقته طريقة أصيلة وفريدة في دراسة البحوث الاجتماعية، حيث يقوم منهجه على الملاحظة والتحليل والتفكير، ثم التوصل إلى النتيجة، وعلى الرغم من كون ما وضعه ابن خلدون من قوانين وأفكار مصدرها معاصرته لبعض الأقوام لفترة ما، إلّا أنها تُعتبر قوانين ذات أساس متين يمكن الاستعانة بها بكل زمان ومكان؛ نظراً لاتّباعه المنهج السالف ذكره، ومقارنة ما عاصر بما عرفه من أخبار الأقوام السالفة، فيما يُعدّ منهجا الاستقراء والاستنباط خير مثال على ما وضعه ابن خلدون من أدوات يستعان بها في عملية البحث هذه.

منهجه في تحليل الظواهر الأقتصادية

تُعدّ منهجيّة ابن خلدون في تحليل الظواهر الاقتصادية مماثلة لطريقتهُ في تحليل الظواهر الاجتماعية، مع استخدامه للأدوات المستخدمة في القضايا الاجتماعية ذاتها، إلّا أنّ هذا لا يقلل من أهميّة النتائج التي توصل لها في دراسة الظواهر الاقتصادية، لا سيّما أنّ الأدوات المستخدمة في دراسة الظواهر الاقتصادية، تمّ التعرُف عليها وتطويرها خلال القرنين الماضيين فقط، فيما تُلخّص الأدوات التي استخدمها ابن خلدون في تحليل الظواهر الاقتصادية -تبعاً لما جاء في مقدمته- بالآتي:

  1. دراسة الوقائع الاجتماعية، والروابط القائمة بين الأحداث الاجتماعية والسياسيّة والاقتصادية، وهو ما يسمى بارتباط الأهداف التاريخية.
  2. ربط السلوك الإنساني والظواهر الاقتصادية بالبيئة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان.
  3. توضيح أثر البيئة من حيث الوضع الاقتصادي، وتوفر الموارد الطبيعية، وطبيعة الجغرافيا، على سلوك الإنسان الاقتصادي، ودرجة التخلُف والتقدُم الاقتصادي.
  4. اعتماد التحليل النّظري في وضع القواعد التي تحكُم الظواهر الاقتصادية، بحيث يبدأ بالاستقراء، ثم التحليل ،ثم استنباط القاعدة العامة.

ويعتبر منهج ابن خلدون هو أساس النظرية، والذي تطّور خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، من قِبل المدرستين الكلاسيكيّة والنيوكلاسيكيّة، حيث ظهر -من خلال التسلسل التاريخي للدراسات الاقتصادية- أنّ ابن خلدون هو أول من أبرز ارتباط الأهداف التاريخية وتطورها، كما أنّه أوّل من أكّد ارتباط العلاقات الاجتماعية الاقتصادية.

 

ابن خلدون عند الغرب

اهتم الكثير من علماء الغرب والمفكرين والمؤرخين والمستشرقين بأفكار ابن خلدون، كما أظهروا إعجابهم الشديد به، إلّا أنّ بعضاً منهم عَمد إلى تجريده من أصوله العربية، وإنكار أن يكون مسلماً على الرغم من وجود الكثير من العلماء ممن هم على قدر من الأهمية مساوٍ لقدر ابن خلدون أمثال ابن الهيثم، و ابن النفيس، والبيروني، والرزاي، والكندي، وابن سينا، والفاربي، وغيرهم، أمّا ابن خلدون فقد لقبهُ الفيلسوف الأسباني خوسيه أورتيجا أي جاست بفيلسوف التاريخ الإفريقي، بينمّا يعتبر المستشرق الأسباني بونس بويجس إلى أنّ ابن خلدون من أعظم الشخصيات التي فسّرت التاريخ الفلسفي على المدى البعيد، لذلك يفتخر المستشرق الأسباني ريبيرا بابن خلدون ويدعيّ أنّه ينتسب إلى بلده إسبانيا، وأنّ على الوطن الإسباني أن يكون فخوراً بأعظم انتاج تاريخي في الحضارة الإسلامية.

أمّا فيما يتعلّق بميدان الاقتصاد فيشير استيفان كلزيو إلى استحقاق ابن خلدون لأن يكون في طليعة علماء الاقتصاد المحدثين إلى جانب كونه في مقدّمة فلاسفة التاريخ؛ نتيجة لفهمه للدور الذي يؤديه العمل والملكية والأجور، وعندما قام الأستاذ ناتانيل شميث بدراسة حول ابن خلدون كمؤرخ اجتماعي وفليسوف، اقترح أن يضعه في صف المؤرخين العالميين أمثال تيودور الصقلي، ونقولا الدمشقي.

بالإضافة إلى ذلك، يوضح العالم شميت أنّ ابن خلدون هو أوّل من أفرد التاريخ بعلم خاص، وهو الذي اكتشف مظاهر التاريخ الحقيقي، وشرح طبيعته، حيث يبحـث عن الحقائق والمجريات التي تقع في دائرة التاريخ، ويجمع الظواهر الاجتماعية في حياة الإنسان، وتعتبر المقدمة التي وضعها ابن خلدون أوّل كتاب يؤلف في فلسفة التاريخ، إذ وصفها قائلاُ: "إن ابن خلدون برغم طابعه الإسلامي، فهو فيلسوف مثل أوجست كونت، وتوماس بكل، وهربرت سبنسر".

 

كتبه ومؤلفاته الأدبية

قدّم ابن خلدون العديد من المؤلفات والكتب في الكثير من المجالات والعلوم سوآء في علم الاجتماع، أو التاريخ، أو الفلسفة، أو الفقه، أو الحساب، أو المنطق، أو علم الكلام، ومن أهمّ مؤلفات ابن خلدون ما يأتي:

كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر

هو كتاب كامل اسمه "العبر في ديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السّلطان الأكبر"، ويحتوي الكتاب في جزئه الأول على مقدمة ابن خلدون المشهورة. المقدمة: تُعدّ المقدمة من أهمّ مؤلفات ابن خلدون، وتُرجمت إلى العديد من اللغات الأجنية، فنالت شهرة كبيرة عُرف على إثرها ابن خلدون عند الغرب قبل الشرق.

شفاء السائل لتهذيب المسائل

شرح ابن خلدون في هذا الكتاب منهج الصوفيّة وأهم نظريّاتهم، وذكر الرجال المشهورين منهم، وأهم مؤلفاتهم، حيث ألف هذا الكتاب بناء على طلب شريحة كبيرة من الناس.

لباب المحصل

كتب ابن خلدون كتابه هذا في سن لم يتجاوز العشرين عاماً، ويُعدّ أوّل كتاب يؤلفهُ في حياتهِ، حيث شرح فيه أحد كتب علم الكلام.

بالإضافة إلى ما جاء في كتب المؤرخين من عناوين لمؤلفات أخرى مثل: شروحه لبعض مؤلفات ابن رشد، وشرحه لنهج البردة، وشرحه على الرجز في الفقه، وكتاب في الحساب والمنطق، وغيرها.

 

مقدمة ابن خلدون

تُعتبر مقدمة ابن خلدون عملاً رياديّاً أصيلاً، وبحثاً علميّاً تحليّلياً، كمُا تُعدّ موسوعة تُظهر الكيفيّة التي تطورت فيها المجتمعات البشرية، وتشرح كيفيّة التعامل مع التغيرات التي أدّت إلـى التحرك الاجتماعي، أو التي أدّت إلى انهيار هذه المجتمعات وتأخرها، كمّا تُبين طُرق علاجها،لا سيّما أنّ ابن خلدون وضع كافة أفكاره وجُلّ فلسفته في هذه المقدمة، حيث أدخل علماً جديداً في عصره، وهو فن العمران الذي يُسمى في الوقت الحالي بعلم الاجتماع، والسياسية، والاقتصاد السياسي، والاقتصاد الاجتماعي، وفلسفة التاريخ، والقانون العام، وقسّم ابن خلدون مقدمته إلى ستّة فصول على النحو الآتي:

الفصل الأول

تحدث فيه عن آثار العمران على البشر، فبيّن أثر اختلاف الأقاليم والهواء، ونوعيّة التربة، والخصب أو الجوع على ألوان البشر وأبدناهم وأخلاقهم.

الفصل الثاني

تحدث فيه عن الفرق بين طبيعة البدواة و الحضارة، من حيث الأنساب، والعصبية، والرياسة، والحسب، والملك، والسياسة، كما تحدث عن القبائل والأمم الوحشيّة.

الفصل الثالث

تحدث فيه عن تكوين الدولة بشكل عام، وطُرق تسيّر أمورها، كما تحدث عن السلطة والخلافة والمُلك، وذكر مراتب السلطان، وكيفية الحفاظ على قيّام الدولة، ووضّح مفهوم البيّعة والولاية، ووصف قواعد الجند والحرب، وأسباب انهيار الدول.

الفصل الرابع

تحدث فيه عن البناء، وأُسس العمارة الاسلامية في بناء المساجد، كمّا تحدث عن البلدان والأمصار، وبناء الهياكل العمرانيّة.

الفصل الخامس

تحدث فيه عن أهميّة الأعمال البشرية، وعن أهمّ الصناعات كالزراعة، والعمارة، والنسيّج، والطب، والوِراقة، والغناء، وغيرها، كمّا تحدث عن طُرق كسب العيش، وطرق توزيع المعاش.

الفصل السادس

تحدث فيه عن العلوم بكافة أصنافها، وشرح كل علم بشكل خاص، وبيّن تاريخه وشروطه، كمّا أوضح أنّ العلم هو أساس الحضارة، وبيّن فروع العلوم وهي اللسانيّة، والطبيعيّة، والرياضيّة، والطبيّة، أمّا الآداب فهي الشعر، والتاريخ، والإلهيّات، وعلم النفس، وعلم النجوم، والعلوم السحريّة.

 

مقابلته مع تيمور لنك

تُعدّ مقابلة ابن خلدون مع القائد التتري المعروف باسم" تيمور لنك" في مدينة دمشق، مـن أكثـر مراحل حياته إثارة، حيث تُظهر هذه الحادثة خبرة ابن خلدون في أساليب التعامل مع الحكام، واستخدام الدبلوماسية للوصول إلى الغاية، إذ يظهر ذلك عندما قرر ابن خلدون الذي كان موجوداً في دمشق أثناء حصار تيمو لنك لها عام 803هـ الوصول إليه راجياً إياه بألّا يستبيح دمشق وأهلها، وألّا يقوم بتدميرها، فتدلى بحبل إلى أن خرج من أسوارها ووصل تيمور لينك، واستخدم ما يعرفه عن هذا القائد من معلومات تشير إلى إيمانه الشديد بعلوم التنجيم والطب، إذ عُرف عنهم ملازمته له لاعتماده الكبير عليهم واستشارتهم في كل ما يقوم به من أمور وما يتّخذه من قرارات، مما دفع ابن خلدون للاعتماد على معرفته بالمنجم والطبيب اليهودي المشهور "إبراهيم ابن زرزر" للتأثير على تيمور لنك، حيث أخبره بأنّ ابن زرزر كان قد تنبأ بظهور تيمور لينك قبل عشرين عاماً، وتنبأ له بأنه سيصبح ذا شأن عظيم، بالإضافة إلى ما استخدمه ابن خلدون من رصانة في الأسلوب ومنطق في الكلام لإقناعه بأنّه كان يتمنى أن يحظى بلقائه منذ أربعين سنة، فأُعجب تيمور لنك بكلام ابن خلدون وطلب منه البقاء، إلا أنّ ابن خلدون الذي لم يرفض طلبه هذا استأذنه للسفر لإحضار أهله وكتبه فسمح له بذلك، فغادر ابن خلدون إلى مصر بأعجوبة.

 

سنواته الأخيرة ومماته

عاش ابن خلدون مراحل حياته الأخيرة زاهداً معتزلاً مفاتن الدنيا، فقد عزم على الانقطاع وترك منصب قاضي المالكيّة، إلّا أنّ حاله في ذلك تراوح بين عزل وإعادة مرات عدّة، غير أنّه استمر في مهنة التدريس والتعليم إلى أنّ توفي فجأة في السادس والعشرين من شهر رمضان عام 808هـ، الموافق 16 آذار من عام 1405م، عن عمر يناهز الثمانية والسبعين عاماً، ودفن في مقابر الصوفية في مدينة القاهرة.

 

منقول بتصرف من mawdoo3.com مشكورا