سورة : 59 - سورة الحشر, اية : 7
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(سورة : 59 - سورة الحشر, اية : 7)
ما أعطاكم الرسول
و ليس ما قال لكم الرسول
هي في الحقيقة ليست آية، بل جزء من آية
ولا يجوز لطالب علم ان ينتزع جزء من آية
ويستخرج منها دليلا، بعيدا عن سياقها وسباقها ولحاقها
الآية نزلت في توزيع الأنفال
لكنّ الشيوخ حرّفوا الكلم عن مواضعه فأصبحت
ما أتاكم البخاري ومسلم و الأئمّة الأربعة
بإسم الرّسول فخدوه
و ما نهاكم السلف الصالح عنه
فإنتهوا
والغريب في الأمر أن التفاسير القديمة اعترفت أن الآية نزلت في الأنفال
1- تفسير الآية من كتب التفاسير
a- قال مقاتل..
" وما آتاكم الرسول، يقول ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"
..(تفسير مقاتل بن سليمان 4/279)
b- قال الزجاج
"وَمَا آتَاكَم الرسُولُ فَخُذوهُ أي من الفيء ، وَمَا نَهَاكمْ عَنْهُ أي عن أخذه فَانْتَهوا"
..(معاني القرآن 5/146)
c- قال الماتوريدي
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
يعني: ما أعطاكم رسول اللَّه من هذه الغنيمة فخذوه ولا تظنوا به ظنًّا مكروهًا
وما نهاكم عنه فانتهوا، ليس نهي زجر وشريعة، ولكن نهي منع
وما منع منكم من هذا الفيء فانتهوا عنه."..
(تفسير الماتوريدي 9/587)
d- قال السمرقندي
"وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ،
يعني: ما أعطاكم النبيّ من الغنيمة فخذوه، وما أمركم الرسول فاعملوا به
وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا يعني: فامتنعوا عنه.
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن عصاه"
(تفسير السمرقندي 3/428)
السبب أن هؤلاء لم يفسروا أمر الاتباع بحجية السنة
لأن الحديث عن تلك الحجية لم يكن موجودا حتى نهاية القرن الرابع الهجري
كل هؤلاء عاشوا ما بين القرنين (الثاني والرابع الهجريين)
والكلام على حجية الأحاديث واعتبارها مصادر تشريع
ظهر متأخرا على التدوين بقرنين من الزمان على الأقل
2- تفسير الآية من القرآن
A- معنى أفاء
أفاء اللهُ عليه: إسترجع النبيّ من أعدائه بتأييد إلاهي
الفيء هو الأشياء المسترجعة بعد سرقتها من طرف العدوّ
سواء بالقوّة أو بالمفاوضات
سورة الحشر تنقل لنا
أحداث جلاء و فرار
الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم
و تركهم الفيء وراء ظهورهم
قام نبينا الكريم بقسمته بين المؤمنين
حسب ما أمره الله به
1-
قدر من المال لله
==> قدر من المال لكلّ أسماء الله الحسنى
من علم و عدل و رحمة إلخ
==> خزينة الدّولة لتساعد به في تقوية الدّولة
2-
وقدر للرسول في مهمة الرسالة
3-
قدر للمحتاجين
لكي لا تكون دولة بين الأغنياء
أمر الرّسول أن لا يكنز المال و يفرّقه على المحتاجين
تتحدث الآيات عن أموال و ممتلكات
كانت في الأصل ملكا للمسلمين
إستُعيدت - اسْتردَّت - إستُرجِعَت من العدو
أي ما إسترجع النبيّ من أعدائه بتأييد إلاهي .
و من منطلق هذا المدلول يمكننا أن نفهم باقي محاور الآية بسهولة
فما استرد من العدو
و الذي شارك في استرداده كل المسلمين
ينبغي أن يعاد توزيعه حسب ما يراه الرسول و حسب الحاجة
" ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا " .
" كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "
الدَّوْلَةُ : الاستيلاءُ والغَلَبَة
كي لا يكون تحكّم و تسلّط للأغنياء منكم
و الله أعلم بطبيعة الحال
B- عبارة ما أتاكم الرّسول
1-
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ
فِي الصَّدَقَاتِ
فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا ==> رَضُوا
وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا ==> إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا
مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ
إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)
(سورة : 9 - سورة التوبة, اية : 58 - 59)
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ
من الصدقات
آتى الرسول الصدقات و ليس الحديث
ما آتاكم الرّسول من هذه الصّدقات ==> فخذوه
وما نهاكم ولم يؤتكم منها ==> فأرضوا ولا تسخطوا .
قلبوا الأمور
وقالوا سنّة وأحاديث ونسخ و مسخ .
ما نزّل الله بذلك من سلطان
هذه الملاحظة بتصرّف للباحث Faouzi Chekir
2-
هاتين الآيتين تظهران جليّا أنّ عبارة ما أتاكم الرسول
تعني ماأعطاكم الرسول من فيء
بين هذه الآية 9-59 وآية الفيء 7-59 آية واحدة فقط
a-
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ
وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً
مِمَّا أُوتُوا
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(سورة : 59 - سورة الحشر, اية : 9)
يتضح بهذه الآية
أنّ ما أوتي المومنون
هو شيء مادّي وليس بالمعنوي
لا يجدون حرجا و حسدا
في إعطاء ما أوتوا من الفيء
الّذي أتاهم الرسول
b-
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا
مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ
سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ
إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ
(سورة : 9 - سورة التوبة, اية : 59)
يظهر بدون أدنى شكّ أنّ عبارة ما أتاهم الرّسول
تدلّ على شيء مادّي
لكنّ كلمة أصحاب الإختصاص هي السائدة
لأنّهم مسيطرون على كلّ المنابر
ملاحظة صغيرة
رقمي الآيتين اللتين تفسران معنى أتاكم الرسول
هو 59-9 و 9-59
3-
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ
وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
(سورة : 2 - سورة البقرة, اية : 177)
4-
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا
إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(سورة : 2 - سورة البقرة, اية : 229)
من باب الثقافة العامّة ==> المعنى الحقيقي للأنفال
a- في المعجم
تعني غنيمة يستولي عليها الجيش المنتصر
أو
نفَّلَ فلانًا: أَعطاه زيادةً على نصيبه الواجب له
النَّفْلُ: مَا شُرِعَ زِيَادَةً عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ
b- لكنّ للقرآن رأيا آخر
كلّ ما يزيد عن الحاجة ==> الفائض
و ليس ما تركه العدوّ في ساحة المعركة
1-
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَكَ
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا
(سورة : 17 - سورة الإسراء, اية : 79)
2-
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
نَافِلَةً
وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ
(سورة : 21 - سورة الأنبياء, اية : 72)
كلّ ما يزيد عن الحاجة ==> الفائض
و ليس ما تركه العدوّ في ساحة المعركة
و هي للّه و الرسول (مهمة الرسالة) فقط
حصول المحارب على المال بعد الفوز
يجعل منه محاربا
في سبيل المال
و ليس في سبيل الله