ذات النّطاقين
من الروايات التي رواها (المتأسلمين ) واشتهرت بين المسلمين حتى اصبحت حقيقة مؤكدة لديهم لايقبلون فيها اي حجة رواية تسمية أسماء بنت أبي بكر بذات النطاقين لأنها كانت تربط الطعام للنبي ولأبيها في يوم الهجرة من مكة الى المدينة . من هذا المنطلق سوف نراجع هذه القصة لنعرف مدى صحتها وكما تعودنا في هذه السلسلة ان نعتمد فقط على الكتب المعتمدة لدى اهل السنة والجماعة لنمنع اي نقاش في موضوع المصادر التي يبدو انهم يقدسونها دون ان يقرأوها .
نأتي الان لمناقشة القصة من خلال المصادر المعتمدة لدى (المتأسلمين ) لنرى مدى صحتها وصمودها امام التحليل العلمي والروايات .
اولا ان الاحاديث التي وردت في هذا اللقب ليست منسوبة الى الرسول بل هي قصص منسوبه الى اسماء بنت ابي بكر او الى اختها عائشة بنت ابي بكر فما ورد في تلك القصص ليست كلمات الرسول وليست من اوامره ولا نواهيه ولبست تشريعات او مقولات تبنى عليها الاحكام فلا تقع ضمن اطار الاية " ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " .
ثانيا هناك اختلاف بين الروايات بعضها تقول ان لقب اسماء هو " ذات النطاقين" كما ورد في صحيح مسلم وفي صحيح البخاري في الحديث رقم 2979 ، وهناك من يقول ان لقبها هو " ذات النطاق " كما ورد في البخاري عن ابن عباس في الحديث رقم 3907 . وقد اشار الى هذا الاختلاف عبدالملك بن هشام الحميري المعافري أبو محمد المتوفى سنة 213 في كتابه " السيرة النبوية لابن هشام" ، علق عليها وخرج احاديثها الاستاذ الدكتور عمر عبد السلام تدمري ، منشورات دار الكتاب العربي ، 1990 ، بيروت ، الصفحة 128 بقوله " فكان يقال لاسماء بنت أبي بكر : ذات النطاق ، لذلك ، قال ابن هشام : وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول : ذات النطاقين . وتفسيره : أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين ، فعلقت السفرة بواحد ، وانتطقت بالآخر" .
ثالثا رواية مسلم المنسوبة لاسماء بطلة القصة تقول " أنا ، والله ! ذات النطاقين . أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطعام أبي بكر من الدواب . وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه " . اي انها كانت تفعل ذلك بعد خروج النبي من دار ابي بكر الى غار جبل ثور. ، في حين نرى ان رواية البخاري المنسوبة الى عائشة في الحديث رقم 5807 " قالت : فجهزناهما أحث الجهاز ، وضعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها ، فأوكت به الجراب " اي ان الحادث حصل في بيت ابي بكر وقبل خروج الرسول الى غار ثور . هذه المعلومة اكدها البخاري في الحديث رقم 2979 المنسوب الى اسماء حيث بيّنت أسماء انها شقت نطاقها لتربط السفرة. في حين يروي ابن هشام في السيرة النبوية ، الصفحة 128 " وكان عامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر رضي الله عنه ، يرعى في رُعْيان أهل مكة ، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر ، فاحتلبا وذبحا ، فإذا عبدالله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفِّي عليه ، حتى إذا مضت الثلاث ، وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيرَيْهما وبعير له ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها عصاما ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة ، فإذا ليس لها عصام ، فتحلّ نطاقها فتجعله عصاما ، ثم علقتها به " اي ان اسماء فعلت ذلك في الغار
رابعا اذا عدنا الى تاريخ بطلة القصة اسماء بنت ابي بكر نجدها كما روى الطبري في "تهذيب الآثار" (1/414) بسند صحيح عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت : " كنت رابع أربع نسوة تحت الزبير ، فكان إذا عَتِبَ على إحدانا ، فكَّ عودا من عيدان المِشْجَب، فضربها به حتى يكسره عليها ".كما روى ابن سعد في "الطبقات" (8/ 197) بسند صحيح عَنْ عِكْرِمَةَ: " أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ تَحْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. وَكَانَ شَدِيدًا عَلَيْهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: " يَا بُنَيَّةُ اصْبِرِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ صَالِحٌ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَلَمْ تَزَوَّجْ بَعْدَهُ ، جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ ".وقد هاجر الزبير الى المدينة قبل هجرة الرسول فكيف تكون اسماء مع زوجها في المدينة وفي نفس الوقت مع ابيها في مكة بدليل ان عبد الرحمن السهيلي صاحب كتاب الروض الانف في شرح السيرة النبوية لابن هشام ، تحقيق عبد الرحمن الوكيل ، دار الكتب الحديثة في الصفحة 203 ذكر "عن عائشة الرسول ارسل زيد ابن حارثة وابا رافع مولاه وان ابابكر ارسل عبد الله ابن اريقط فقدموا الى مكة فخرجوا بسودة بنت زمعة وفاطمة وام كلثوم قالت عائشة وخرجت امي معهم ومع طلحة ابن عبيد الله مصطحبين ..." وهنا نلاحظ ان عائشه لم تذكر اسماء اختها فيمن خرجن ، والتفسير الوحيد لذلك ان اسماء كانت بالفعل في المدينة ولم تكن في مكة .
خامسا لو رجعنا الى البخاري وكتابه جده يروي عن عائشة راوية حديث ذات النطاقين ولكن في الحديث رقم 3926 من كتاب مناقب الانصار من صحيح البخاري يروي البخاري قائلا " حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ - قَالَتْ - فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلاَلُ ، كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِى أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِى شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ « اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِى صَاعِهَا وَمُدِّهَا ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ " من هذا الحديث يتبين ان عائشة كانت موجودة فى المدينة عند مقدم أبوها الذى مرض هو وبلال نتيجة تغاير المناخ بين مكة والمدينة .
مما تقدم يمكن ان نستخلص ان الروايات الذي ذكرت خرافة ذات النطاقين روايات متضاربة مختلفة في الاسم وراويتها انما كانت اسماء التي لم تكن اساسا في مكة وعائشة التي كانت عندما جرت تلك الاحداث تبلغ من العمر ست سنوات فقط . ان نفس المصدر "البخاري" الذي ذكر الرواية ونفس الراوية "عائشة" تتضارب اقوالهم مابين ان كانت عائشة في المدينة ام مازالت في مكة . كما يتبين من الرواية الاولى ان لقب "ذات النطاقين" لم يكن من الالقاب التي يفتخر بها بدليل ان عدو عبدالله ابن الزبير اللدود " الحجاج ابن يوسف الثقفي " كما ورد في الرواية التي ذكرها مسلم ابن الحجاج في كتابه كان يعايره بقوله " يابن ذات النطاقين " وان اسماء قد غضبت من ذلك فردت على الحجاج بحدة . كل هذا يدل على ان خرافة ذات النطاقين انما هي خرافة من خرافات المتأسلمين وضعت لاغراض سياسية .