تهميش إين رشد و تخلّف المسلمين
عام 1198، قبل وفاته بقليل
كان الفيلسوف ابن رشد قد طُرد بشكل مهين من مجلس السلطان أبو يوسف يعقوب الموحدي الذي استُدرج إليه
وكان قد استجاب للدعوة وفق ما تقتضيه الآداب العامة
غير أن استدراجه في النقاش قد عرضه لشتائم الفقهاء الذين تكالبوا عليه
فسارعوا إلى اتهامه بالكفر والزندقة
وأكثروا في استعمال الأوصاف الساقطة.
وبدل أن ينصفه السلطان فقد أمر بطرده من المجلس وإبعاده عن الأندلس كافة.
هكذ اضطر فيلسوف قرطبة إلى مغادرة مجلس السلطان
مهانا أمام أعين الشامتين من الفقهاء والمتملقين للسلطة.
بعد ذلك سيأمر السلطان بكتابة وتوزيع منشور يؤلب الناس على ابن رشد
فأُحرقوا بذلك مؤلفاته، واعتدوا على تلاميذه.
على أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد
بل سيأمر السلطان بتأليف عشرات الكتب في مختلف مناطق البلاد تلزم الناس بترك الفلسفة والمنطق وسائر العلوم
ما عدا المعارف الحسابية والفلكية التي تساعد في معرفة أوقات الليل والنهار
ومواقيت الصلاة، وتقسيم الإرث، ونسبة الزكاة، واتجاه القبلة لأداء شعيرة الصلاة.
فكان ذلك القرار بداية العصور المظلمة
حيث لم تمض سوى سنوات قليلة عن وفاة "آخر فلاسفة المسلمين"، ابن رشد
وتسلط الفكر الفقهي التقليدي
حتى اندحر المسلمون في معركة العُقاب
ثم مرورا بسقوط قرطبة، ثم غرناطة، ثم الأندلس كافة..
ثم سقوط الحضارة المغربية برمتها.
ففي غياب التأمل والحكمة والجمال والشك، يغيب العقل
لا يمكن لأي حضارة أن تقوم لها قائمة.
بعد أن أضاع المغرب الأقصى عقله
توالت عليه الهزائم، والمجاعات، والأوبئة
وسيطرت الزوايا الطرقية الغارقة في أوحال الخرافات
وبين الفينة والأخرى كانت القبائل تهيج على بعضها بعضا
فيما تسميه الأدبيات الإسلامية بالفتنة
وتسميه الأدبيات المغربية بـ"السيبة".
وظل الحال كذلك إلى أن جاء الاستعمار بداية في القرن العشرين كتحصيل حاصل.
ومن سخرية الأقدار أو مكر التاريخ
أن يكون الاستعمار هو من أعاد إلينا ابن رشد بعد أن أضعناه، وقد أضعنا معه "عقل المغرب"!
سعيد نشيد